وقد اتضح بما مرّ أن مراعاة قانون المنطق عاصمة في حدوده عن الخطأ . وبالرغم من ذلك نرى الأخطاء الكثيرة في الفكر البشري التي يضجّ منها العالم ، فلا بد من التفتيش عن نكتة ذلك ، فنقول : لا يعقل سبب لهذه الأخطاء الا أحد أمور ثلاثة : الأول - ما مضى من دعوى أن نفس قانون المنطق من نتاج الفكر البشري بعد ردح من الزمن ، وليس بديهيا ومعصوما بذاته كي يكون عاصما . ويرد عليه : ما عرفته من بداهة إنتاج الشكل الأول بحكم العقل البديهي المدرك لقاعدة أن ( المنطبق على شيء منطبق على ثالث منطبق على ذاك الثالث ) وعدم التفات البشر بالتفصيل ردحا من الزمن إلى الشكل الثالث مثلا لا يعني عدم بداهته ، لثبوت الالتفات الإجمالي لكل أحد إليه ، على أن عدم التصديق الناشئ من عدم الالتفات لا ينافي البداهة ، فإن التصديق بالبديهيات أيضا متوقف على التصور بلا إشكال . وخلاصة الكلام : إن قوانين المنطق منها ما هو بديهي ومضمون الصحة بنفسه فلا يحتمل فيه الخطأ ، ومنها ما هو نظري مكتسب من الأول فهو مضمون الصحة ببركة الأول إلا من ناحية احتمال نشوء الخطأ في التطبيق ، وهذا رجوع إلى الأمر الثاني . الثاني - ما مضى أيضا من دعوى أن قانون المنطق وإن كان صحيحا ولكنه لا يعقل كونه عاصما عن الخطأ في تطبيقه ، فيقع الاشتباه في ذلك . وهذا صحيح لا إشكال فيه إلَّا أنه لا يفيد الأخباريين بنحو الإطلاق . توضيح ذلك : إن الخطأ في تطبيق قانون المنطق يرجع في الحقيقة إلى أحد أمرين :