جعل المظنون منزلة المقطوع كي يصبح الظنّ بالتبع بمنزلة القطع ، لكنّ هذا عبارة عن الكناية فرجع المحذور مرة أخرى . فإنّه يقال : إنّ هذا الإشكال نشأ من تخيل أنّ عالم الثبوت كعالم الإثبات ، فإنّ إنشائيّة الكلام وإخباريّته مرتبطة بعالم الإثبات لا بعالم الثبوت كي يكون إنشاء شيء مستلزما لجعله ثبوتا بالأصالة لا بالتبع كما هو إثباتا متعلق به بالأصالة لا بالتبع . والجواب عن هذا الإيراد : أنّ قياس المقام بمثل : ( الناس مسلطون على أموالهم ) قياس مع الفارق ، لأنّ التنجيز والتعذير ليسا مترتّبين على جعل الشارع للمظنون منزلة المقطوع بلا توسط أمر تكويني كي يكونا مجعولين بالتبع ، كما هو الحال في ترتّب سلطنة المالك مباشرة على تنفيذ البيع ، وإنّما يترتّبان عليه بتوسّط العلم به الذي هو أمر تكويني ، فالذي قام حقيقة مقام العلم بالواقع الحقيقي إنّما هو العلم بالواقع التنزيلي لا الظن بالواقع الحقيقي ، فلا يمكن ثبوت إطلاق من هذا القبيل لمثل قوله : نزّلت الظنّ منزلة القطع . والتحقيق في مقام الإيراد على المحقّق الخراساني ( قدّس سرّه ) ذكر جوابين : الأوّل : أنّ بالإمكان فرض قيام الظنّ مقام القطع بكلا قسميه من دون جمع بين اللحاظين ، وذلك بأن يقصد بهذا الكلام بالمطابقة قيام الظنّ مقام القطع الموضوعيّ فحسب ، ولكنّ إطلاق قيامه مقام القطع الموضوعيّ يدلّ بالالتزام على قيامه مقام القطع الطريقيّ ، وذلك لأنّ دليل قيام الظنّ مقام القطع الموضوعي كما يدلّ على قيامه مقامه في الأحكام الواقعيّة كجواز الائتمام مثلا في العلم بالعدالة ، كذلك يدل بالإطلاق على قيامه مقامه في إنهاء الأحكام الطريقيّة التنجيزيّة والتعذيريّة كأصالة الاحتياط وأصالة البراءة الشرعيّتين وقاعدة الفراغ والتجاوز وغير ذلك من الأحكام الطريقيّة المغيّاة بالعلم ، وهذا وإن لم يكن مستلزما لتنجيز الواقع والتعذير عنه إذ إسقاط