اعتبارهما من المشهورات لا من الضرورات العقليّة : أنّ الضرورات العقليّة منحصرة في ستة أمور : الأوّليّات وهي التي يكفي تصوّر طرفيها مع تصوّر النّسبة بينهما في الجزم بها كقولنا : الكل أعظم من الجزء . والفطريات وهي الَّتي قياسها معها كقولنا : الأربعة زوج ، فهذا الكلام قياسه معه وهو كون الأربعة منقسمة إلى متساويين ، والمتواترات وهي القضايا المخبر بها بأخبار كثيرة حسيّة توجب القطع كقولنا مكة موجودة ، والحسيّات ، والتجريبيات ، والحدسيّات . بينما حسن العدل وقبح الظلم ليسا من الأوليات لأن تصوّر الطرفين مع النّسبة لا يكفي في الجزم ، ولا من الفطريات إذ ليس معها قياس يدلّ عليها ، ولا من المتواترات إذ ليس مصدر العلم بها إخبارات حسيّة كثيرة ، ولا من المحسوسات ، أو التجريبيات ، أو الحدسيات كما هو واضح . إذن ليس الحسن والقبح من الضروريات [1] . ويرد عليه : أنّ انحصار الضروريات في هذه الأمور الستة ليس داخلا في هذه الأمور . إذ ليس هو أوليا لعدم كفاية تصور طرفيه مع تصور النسبة للجزم به ، ولا فطريا لعدم كون قياسه معه ، ولا متواترا لعدم إخبار جماعة كثيرة به عن حس ، ولا من المحسوسات ، أو التجريبيات أو الحدسيات كما هو واضح . وإنّما هو حكم استقرائي . وهذا الاستقراء موقوف على تسليم عدم كون باب حسن العدل وقبح الظلم مثلا من الضروريات العقلية ، إذن فلا يمكن الاستدلال على عدم ضرورية الحسن والقبح بعدم دخولها في الضروريات الست ، فإنّ هذا البرهان دوريّ . [ 1 ] .