وقد اتضح بما ذكرناه ان كل ما أفاده القوم في المقام لاثبات مدركات العقل العمليّ أو نفيها أو التشكيك فيها غير صحيح . العقل العملي لا يخضع للبرهان والواقع : ان أصل الحسن والقبح لا يمكن البرهنة عليها لا بعقل التجربة ، ولا يعقل البرهان ، ولا بالبداهة . اما الأول : فلوضوح عدم ارتباط قضايا العقل العمليّ بباب التجربة . واما الثّاني : فلأن البرهنة على شيء عبارة عن تشكيل القياس ، وإثبات الحد الأكبر للحد الأصغر بواسطة ثبوته للحد الأوسط . وذلك موقوف على درك ثبوته للحد الأوسط في المرتبة السابقة على هذا القياس . فنحتاج فيما نحن فيه إلى حكم العقل العمليّ بالنسبة للحد الأوسط . فننقل الكلام إليه ، إلى أن ينتهي الكلام إلى ما لا يكون انطباق الحكم عليه بواسطة حد آخر ، والا لتسلسل . فنقول : ان تلك القضية الرئيسية غير ثابتة بالبرهان . واما الثالث : فلوضوح انه لا يمكن البرهنة على أيّ بديهي ببداهته . نعم يبقى في المقام شيء ، وهو : ان من يدرك حسن شيء أو قبحه هل يمكنه البرهنة على أن هذا الإدراك هل هو نابع من حاق النفس ، أو أنه ناشئ من تأديب المؤدبين ، وتعليم المعلمين ، وإيحاء المجتمع والقوانين ؟ أو لا ؟ . والتحقيق ان هذا أيضا لا يمكن البرهنة عليه ، وانما الشيء الممكن في المقام هو ان يعرض هذا الشخص على نفسه في أي قضية من قضايا العقل العمليّ هذين الاحتمالين ، أعني : كون هذا الإدراك ناشئا من حاق النفس أو من التأديب والتلقين . فإن احتمل الثاني أصبح