هذا سببا في الإنسان السّوي لزوال إدراكه وقطعه بتلك القضية . وإذا زال قطعه بذلك لم يمكن إرجاع القطع ، إذ احتمال كون هذا الإدراك معلولا للتأديب والتلقين حاله حال سائر احتمالات معلولية شيء لشيء ، مما لا يزول الا بأحد طريقين : إما التجربة ، بأبعاد ما يحتمل علَّيته ، كي يرى هل يبقى ما احتمل معلوليته أو لا ؟ وإما بمخالفته لقوانين العلية ، كرفض معلولية شيء لشيء أخسّ منه وأسفل في سلَّم الوجود ، وفيما نحن فيه لا يوجد شيء من الطريقين . أما التجربة : فلأننا لم نجرب أحدا بعزله عن المجتمع والتأديبات ، كي نرى هل يدرك قضايا العقل العمليّ أو لا . واما قوانين العلَّية : فلأن معلولية ذلك للتلقين والتأديب ليست على خلاف قوانين العلَّيّة . اما إذا لم يزل إدراكه وقطعه بذلك مع كونه إنسانا سويا ، فعدم زواله مع استعراض هذين الاحتمالين على النفس اما يكون ناشئا من عدم معلوليته للتأديب أو التلقين ، أو من اعتقاده بعدم معلوليته لذلك . ومن يعتقد بذلك يكفيه اعتقاده ، ولا يحتاج إلى دليل . والواقع ان العقل العمليّ على قسمين : عقل أوّل مضمون الحقانية ، يدرك أصل الحسن والقبح . فنحكم به بحسن الصدق ، وقبح الكذب ، وحسن العفو وقبح الإيذاء بلا تقصير [ 1 ] ، إلى غير ذلك من القضايا