القياس الفقهيّ وإن كان هو - أيضا - منجّزا للحكم ، وعلم الفقه شأنه شأن كلّ العلوم الأخرى الَّتي تكون الغاية القصوى فيها هي تحصيل القطع بالنّتائج ، وبعد فرض حصول القطع لا يترقّب شيء . أساس حجّيّة القطع ولنبحث الآن أساس حجّيّة القطع : إنّ حجّيّة القطع لها معنيان : الأوّل - صحّة الاعتماد عليه في مقام اقتناص الواقع كشفا وعملا ، وهذه هي الحجّيّة بالمعنى المنطقيّ والَّتي أسميناها في كتاب ( فلسفتنا ) بنظريّة المعرفة وليس هنا محلّ بحثها . والثّاني - كونه منجّزا ومعذّرا وهذه هي الحجّيّة بالمعنى الأصوليّ وهي المعنى المبحوث عنه هنا . وقد ذكروا : أنّ القطع بحكم المولى حجّة ، مستدلَّين عليه : بأنّ العمل به عدل ومخالفته ظلم ، فتكون حجّيّة القطع من صغريات قاعدة حسن العدل وقبح الظَّلم . ومن هنا تختلف المباني في حجّيّة القطع باختلافها في تلك القاعدة ، فالمشهور بين الأصوليّين أنّ حسن العدل وقبح الظَّلم أمر واقعيّ يدركه العقل من قبيل الإمكان والامتناع ، وعلى هذا : فحجّيّة القطع أيضا من هذا القبيل . وذهب جماعة من الأصوليّين إلى ما هو مبنى الفلاسفة : من أنّ حسن العدل وقبح الظَّلم حكم عقلائيّ حكم به العقلاء لصالح نظامهم الاجتماعي وهذا ما يسمّى في المنطق ب ( المشهورات ) . وعلى هذا فحجّيّة القطع - أيضا - من مجعولاتهم . وربما يترائى من بعض العبائر مبنى ثالث واضح البطلان - ولعلَّه ليس مقصودا بالعبارة - وهو : أنّ حسن العدل وقبح الظَّلم حكم إلزامي