ما عرفت ثم إنّ الحق في المسألة الثّانية هو عموم المفهوم التّبادر عرفا فإن المتبادر عند الإطلاق هو التّعليق بالنّسبة إلى جميع الصّور والأحوال وقد عرفت أنّ مقتضى التّعليق الانتفاء عند الانتفاء ففي كل صورة انتفى الشّرط انتفى الجزاء وقيل بعدم العموم نظرا إلى أنّ الانتفاء في بعض الصّور كاف في خروج الكلام عن كونه لغوا ولا دليل على ثبوت المفهوم إلَّا لزوم كون التّعليق لغوا لولاه وفيه أوّلا ما عرفت من التّبادر وثانيا أنّ التّعليق لما كان ظاهرا في جميع الصّور والأحوال فلو ثبت الجزاء في بعض صور وجود الشّرط كان التّعليق بالنّسبة إلى تلك الصّورة لغوا وإن كان مفيدا بالنّسبة إلى سائر الصّور وهو كاف في المقصود فوائد أحدها إذا كان الجزاء عاما واستثني منه شيء فهل يجري التّعليق بالنّسبة إلى المستثنى أو لا فلو قال إن جاء زيد فأكرم العلماء إلَّا الفساق فإن المنطوق هو وجوب إكرام العدول وعدم وجوب إكرام الفسّاق عند المجيء فهل المفهوم هو عدم وجوب إكرام العدول ووجوب إكرام الفسّاق عند عدم المجيء أو لا بل هو محض عدم وجوب إكرام العدول وأمّا إكرام الفسّاق فسكوت عنه الحق هو الثّاني لعدم انفهام التّعليق عرفا إلَّا بالنّسبة إلى ما بقي تحت المستثنى منه وأمّا بالنّسبة إلى المستثنى فلا تعليق عرفا وقد عرفت أنّ ثبوت المفهوم أنّما هو من جهة فهم التّعليق فكل ما فهم التّعليق بالنّسبة إليه انتفى بانتفاء الشّرط وما لا فلا الثّانية إذا ورد قضيّتان شرطيّتان متحدتان في الجزاء مختلفتان في الشّرط كما لو قال إذا خفي الأذان وجب القصر وإذا خفي الجدران وجب القصر تعارض منطوق كل منهما ومفهوم الآخر لأنّ مفهوم الأوّل عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان سواء خفي الجدران أو لا وكذا مفهوم الثّاني عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الجدران سواء خفي الأذان أو لا وفي الجمع بينهما وجوه أحدها تقييد منطوق كل منهما بمفهوم الآخر فيكون منطوق الأوّل خفاء الأذان عند خفاء الجدران يوجب القصر فلو لم يخف الجدران لم يوجبه وهو مقتضى مفهوم الثّاني ويكون منطوق الثّاني أنّ خفاء الجدران عند خفاء الأذان يوجب القصر فلو لم يخف الأذان لم يوجبه وهو مقتضى مفهوم الأوّل فمقتضى هذا الجمع هو جعل المجموع سببا لوجوب القصر فينتفي وجوب القصر بانتفاء المجموع ولو بانتفاء بعضه ويوجد بوجود المجموع فقد استعمل أداة التّعليق في معناه وهو التّلازم في الوجود والعدم والتّقييد إنّما هو فيما اقتضاه إطلاق الشّرط من كونه سببا على الاستقلال وهذا لا يوجب التّجوز في أداة التّعليق الثّاني أن يقيد منطوق كل منهما بعدم الآخر فيحكم بأنّ خفاء الأذان سبب عند عدم خفاء الجدران وكذا خفاء الجدران عند عدم خفاء الأذان وأمّا عند خفائهما فالمجموع سبب واحد وهذا أيضا مستلزم لتقييد إطلاق الشّرط وإلَّا فالمفهوم بحاله لأنّ خفاء الأذان عند عدم خفاء الجدران يلزم من وجوده وجوب القصر ومن عدمه وكذا خفاء الجدران عند عدم خفاء الأذان الثّالث أن يجعل كل منهما