الاستحباب مقتضيا للإذن لامتنع الاجتماع وما يرى من تعريف الاستحباب بقولهم هو طلب الفعل مع الإذن في التّرك ليس لاعتبار الإذن في مفهوم الاستحباب بل إنّما هو باعتبار أنّ المستحب اصطلاحا إنّما يطلق على ما لا يقتضي المنع أصلا بأن لا يكون في الشّيء عنوان يقتضي المنع من التّرك ولازم ذلك تحقق الإذن في التّرك وأمّا مع قطع النّظر عن الاصطلاح فيصدق المستحب على المطلوب بالطَّلب الغير المقتضي للمنع وإن قارنه عنوان مطلوب بالطَّلب المانع عنه وفيه نظر لأنّ الطَّلب الاستحبابي وإن لم يعتبر فيه الإذن في التّرك لكن لا شبهة في أنّه مرتبة خاصة من الطَّلب غير مرتبة الوجوب فحاله بالنّسبة إليه حال الظَّن بالنّسبة إلى العلم فكما لا يمكن اجتماعهما بالنّسبة إلى متعلق واحد فكذا الطَّلب الاستحبابي والوجوبي فالأولى في الجواب عن الوجهين أن يقال أوّلا إنّ الإشكال وارد على المجوزين أيضا في مسألة تداخل الأسباب الواردة لعمل واحد كالوضوء بالنّسبة إلى الغايات الواجبة والمندوبة فإنّ الظَّاهر من الشّرع أنّ الوضوء طبيعة واحدة متى تحققت بالوجه الشّرعي ترتب عليها جميع الآثار والغايات فليس هناك عنوانان يتعلق الوجوب بأحدهما والاستحباب بالآخر يجمعهما المكلف في فرد واحد فإنّ الوضوء للصلاة المكتوبة والمندوبة أمر واحد لأنّه بالنّسبة إلى الأوّل نوع وبالنّسبة إلى الثّاني نوع آخر كغسل الجمعة والجنابة فعلى هذا يلزم اجتماع الضّدين لعدم تعدد الجهة التّقييديّة وثانيا أنّ الأمر الوجوبي والاستحبابي والأمران الوجوبيان إذا تعلقا بشيء واحد فمقتضاهما في حال الاجتماع غير مقتضاهما في حال الانفراد فمقتضى الأمرين الوجوبين مرتبة واحدة من الوجوب أشد منها حال الانفراد لا وجوبان ومقتضى الأمرين الاستحبابيين مرتبة واحدة من الاستحباب أشد منها حال الانفراد لا استحبابان وكذا في الوجوبي الاستحبابي يثبت الوجوب الأشد من الثّابت من الأمر الوجوبي حال الانفراد إذا تحقق هذا فنقول إن أردت من اجتماع المتضادين والمتماثلين هنا اجتماع الطَّلبين فغير لازم بل هناك طلب واحد كما بينا وإن أردت منه صدق عنوان الاستحباب أو الوجوب مثلا باعتبار تحقق الاستحباب أو لا ثم اشتد فتحقق الوجوب فلا ضرر فيه لأنّ تحقق الوجوب ليس دافعا للاستحباب وإنّما هو استحباب مع شيء زائد وقد أشرنا إليه في مبحث تداخل الأسباب ولا يلزم من ذلك اجتماع الضّدين ليس هنا إلَّا طلب واحد فتأمّل ثم إنّ في المسألة تفصيلين عن بعض المحققين الأوّل التّفصيل بين العقل والعرف فيما إذا كان بين المأمور به والمنهي عنه عموم من وجه فحكم بجواز الاجتماع عقلا ومنه عرفا ولا نعرف وجهه إذ المقصود من تفكيك العقل والعرف إمّا يكون بعد فرض اتحاد الموضوع بمعنى أنّه إذا ورد الأمر والنّهي على كليّين أو تعلقا معا بالأفراد فالعقل حاكم بالجواز دون العرف وإمّا يكون بعد فرض اختلاف الموضوع بمعنى أنّ العقل يحكم بجواز تعلقهما بكليّين بينهما عموم من وجه لكن يفهم العرف منهما طلب الأفراد فيكون ممتنعا أمّا الأوّل فبين الفساد إذ العرف إنّما يحكم بمقتضى عقله فكيف يمكن تجويز العقل ومنع العرف وأمّا الثّاني فمع أنّه على فرض تعلق التّكليف بالطَّبيعة أيضا يمتنع الاجتماع عقلا على ما عرفت