أي فرد أراد المكلف وحصول الامتثال بأي فرد كان وتساوي الأفراد في الثّواب فإذا تعلق النّهي ببعض الأفراد فإن كان تحريميّا كان ناظرا إلى رفع الأولين أي التّرخيص والامتثال كما سيأتي في المسألة الآتية وإن كان تنزيهيّا كان ناظرا إلى رفع التّساوي في الثّواب ومبينا لقلة ثواب ذلك الفرد عن ثواب أصل الطَّبيعة بواسطة وجود خصوصيّة في ذلك الفرد موجبة للنّقص وذلك لأنّ أصل الطَّبيعة له مقدار معين من الثّواب فقد يزيد بواسطة بعض الخصوصيّات وهو المستحب كالصّلاة في المسجد وقد ينقص بواسطة بعض الخصوصيّات وهو المراد بالمكروه كالصّلاة في الحمام وقد يبقى بحاله كالصّلاة في البيت مثلا فارتفع الاعتراض بأنّه يلزم على هذا كراهة أكثر العبادات الَّتي ثوابها أقل من عبادة أخرى كالصّلاة في مسجد الكوفة لأنّها أقل ثوابا من الصّلاة في المسجد الحرام وكذا يلزم استحباب العبادات الَّتي ثوابها أكثر من عبادة أخرى كالصّلاة في البيت بالنّسبة إلى الصّلاة في الحمام مع أنّه يلزم في الجميع اجتماع الاستحباب والكراهة بالنّسبة إلى ما هو أقل منها ثوابا وإلى ما هو أكثر ووجه ارتفاعه أنّ قلة الثّواب وكثرته فيما ذكرت من الأمثلة إنّما هي لعدم وجود الخصوصيّة الموجبة للزيادة أو الموجبة للنّقص لا لوجود خصوصيّة موجبة لهما فإنّ الصّلاة في البيت ثوابها أكثر من الصّلاة في الحمام لا لخصوصيّة أوجبت ذلك بل لعدم وجود الخصوصيّة المنقصة فيها وكذلك قلة الثّواب في الصّلاة في مسجد الكوفة ليست لوجود منقصة فيها بل لعدم وجود الصّفة الموجودة في المسجد الحرام فيها ثم إنّه قد علم بما ذكرنا أنّه يجب أن يكون ثواب الطَّبيعة زائدا عن كفاية الوجوب ليبقى في الفرد المكروه ثواب كاف في الوجوب وإلَّا لم يكن معنى لبقائه على الوجوب والمطلوبيّة والحاصل أنّه لما قام الإجماع على صحة الفرد المكروه وقام الدّليل العقلي على عدم بقاء النّهي على حقيقته وجب حمله على الإرشاد ولازمه بالتّقرير المذكور كون ثواب أصل الطَّبيعة زائدا عن كفاية الوجوب وحينئذ فلا يرد أنّ الوجه المذكور مبني على ثبوت أنّ ثواب أصل الطَّبيعة زائد عن مقدار كفاية الوجوب وهو موقوف على إثباته بالدّليل واعترض على الجواب المذكور بأنّه لا يتم فيما لا بدل له من العبادات كالتّطوع في وقت طلوع الشّمس مثلا فإنّ كل زمان يسع فيه ركعتان من الصّلاة فهي مستحبة فيه وحينئذ فلا معنى للإرشاد إلى قلة الثّواب طلبا للتّوصل إلى الأفضل إذا الأفضل لا يقوم مقام الأوّل إلَّا إذا علم عدم تمكَّن المكلَّف من إتيانها معا فيجوز الإرشاد وحينئذ إلى إتيان الأفضل وتخصيص النّواهي بهذه الصّورة بعيد جدا هذا إذا أراد من جعل النّهي للإرشاد بقاءه على معنى الإنشاء بأن يكون حاصله طلب التّرك إرشادا إلى الأكثر ثوابا وأمّا إن أخرجه عن معنى الطَّلب وجعله للإخبار بقلة الثّواب من غير قصد الإرشاد إلى الأفضل لم يرد عليه ما ذكر لكن يستلزم ذلك في ما يكون بين المأمور به والمنهيّ عنه عموم من وجه استعمال النّهي في معنيين إنشاء طلب التّرك بالنّسبة إلى غير مورد الاجتماع والإخبار عن قلة الثّواب بالنّسبة إلى المورد وقد يجاب بوجه ثالث وحاصله أنّ النّهي مستعمل في طلب التّرك لكن لا بعنوان أنّه ترك للمستحب حتى يلزم منه مطلوبيّة الفعل والتّرك