الشّرع قد خير الشّارع فيها بين شيء وجودي وبين ترك شيء آخر كالعتق والصّوم في الكفارة لأنّ الصّوم معناه ترك الأكل بل خير في بعض الموارد بين فعل شيء وتركه المقيد بغير القربة من القيود كالصّوم المندوب وتركه المقيد بإجابة المؤمن في الإفطار بل الأمر كذلك في جميع الواجبات التّخييريّة لأنّ ترك كل واحد مقدمة للآخر فيكون مطلوبا بقيد التّوصل إليه مخيرا فالمكفّر مخيّر بين العتق وتركه المقيد بالإيصال إلى الطَّعام أو الصّوم غاية الأمر أنّ الطَّلب بالنّسبة إلى التّرك هنا غيري مقدمي وهو غير قادح وبالجملة إذا جاز مطلوبيّة الفعل نفسيّا ومطلوبيّة التّرك المقيد بغير القربة فما وجه الاستبعاد في جواز مطلوبيّة الفعل والتّرك المقيد بالقربة نفسيّا كان أو غيريّا لعدم تفاوت حقيقة الطَّلب بالنّفسيّة والغيريّة كما مر وفيه أوّلا ما عرفت سابقا من أنّه لا يمكن جعل قصد القربة قيدا للمطلوب لأنّه مستلزم للدور لتوقف القربة على الأمر وثانيا أنّ قصد القربة بفعل شيء وبتركه أيضا غير معقول والتّخيير في المثال السّابق ليس بين فعل الصّوم وتركه بل إنّما هو بين الفعلين الصّوم والإجابة وثالثا أنّ فيما يكون بين المأمور به والمنهي عنه عموم من وجه مثل صل ولا تكن في مواضع التّهم يلزم على ما ذكرت استعمال النّهي في المعنيين أعني الطَّلب التّعييني بالنّسبة إلى غير مورد الاجتماع والتّخييري بين الفعل والتّرك بالنّسبة إلى مورد الاجتماع وكذا في صورة العموم المطلق يلزم استعمال الأمر في المعنيين أعني الطَّلب التّخييري بين الأفراد الرّاجحة والطَّلب التّخييري بين الفعل والتّرك بالنّسبة إلى الأفراد المكروهة فافهم الثّاني أنّ ترك العبادات مطلوبة على تقدير التّوصل به إلى الأفضل وفعلها مطلوب على تقدير عدم التّوصل بتركها إلى الأفضل وبالجملة فالتّرك الموصل مطلوب وهو ليس نقيضا للفعل لإمكان رفعهما معا في ضمن التّرك الغير الموصل وفيه أيضا نظر أمّا أوّلا فلاستلزامه في صورة العموم من وجه إرادة المعنيين من النّهي بأن يكون قوله لا تكن في مواضع التّهم مستعملا في النّهي التّوصلي بالنّسبة إلى مورد الاجتماع وفي النّهي النّفسي بالنّسبة إلى غيره وأمّا ثانيا فلأنّه لا معنى له فيما لا بدل له من العبادات كالتّطوع وقت طلوع الشّمس إذ لا معنى لمطلوبيّة تركه للتّوصل إلى بدله إذ لا يفرض له بدل من نوعه وهو المراد بالبدل لا نوع آخر وإلَّا لزم كراهة كل عبادة كان فوقها ما هو أرجح منها ولو من غير نوعها وأمّا ثالثا فلأنّ ظاهره أنّ سبب الكراهة هو محض حصول التّوصل بتركها إلى الأرجح وعلى هذا فيلزم كراهة الصّلاة في مسجد السّوق لمطلوبيّة تركها للتّوصل إلى مسجد الجامع مثلا وأمّا رابعا فلأنّ حاصل الجواب هو أنّ العبادة باقية على رجحانها الذّاتي غاية الأمر مطلوبيّة التّرك للتّوصل إلى الأفضل وهذا ينافي الأخبار الواردة في الباب لدلالتها على وجود منقصته في أصل تلك العبادة بل دل بعض الأخبار على كونها معصية تأكيدا للكراهة وبالجملة فالجواب بإبقاء النّهي على ظاهره من طلب التّرك بالوجهين المذكورين غير تمام فتأمّل ثانيهما أن ليس المراد بالنّهي في هذه الموارد طلب التّرك بل المراد منه الإرشاد إلى أقلَّيّة الثّواب ليترك ويؤتى بالفرد الأفضل وبيانه أنّ الأمر المتعلق بالماهيّة يستفاد منه التّرخيص في إتيان