عدم جواز الاجتماع عقلا وإذا لم يجز عقلا وجب تأويل كل ما يخالفه من الأدلَّة النّقليّة كما سيأتي الثّاني من أدلَّة المجوزين الوقوع شرعا فإنّه كاشف عن الإمكان الذي هو المراد بالجواز في المسألة كالعبادات المكروهة بحسب المكان كالصّلاة في الحمام ونحوه أو بحسب الزّمان كالصّوم يوم عرفة على بعض الوجوه وتقريب الاستدلال أنّ مناط البحث في اجتماع الأمر والنّهي هو أنّ تعدد الجهة هل يوجب تكثر الموضوع حتى لا يلزم اجتماع الضّدين في محل واحد أو لا وكما أنّ الوجوب والحرمة ضدان كذا الوجوب والكراهة أيضا ضدان فلو لم يكن تعدد الجهة مجديا في الأوّل لزم عدم جواز اجتماع الأخيرين أيضا مع أنّهم اتفقوا على صحة العبادات المكروهة وليس معنى الصّحة في العبادة إلَّا موافقة الأمر فيعلم من ذلك وجود الأمر والنّهي التّنزيهي أيضا موجود وإلَّا لم تكن مكروهة فقد ثبت الاجتماع وهو المطلوب وأيضا قد ورد في الشّرع اجتماع الحكمين المتماثلين في محل واحد من جهتين كالغسل الواحد للحيض والجنابة أو للجمعة والجامعة لاجتماع الوجوبين في الأوّل والاستحبابين في الثّاني من جهة السّببين فلو لم يجد تعدد الجهة في تكثر الموضوع لامتنع اجتماع المثلين أيضا مع وقوعه هذا غاية تقرير الدّليل وأنت بعد ما عرفت من استحالة الاجتماع عقلا علمت وجوب التّأويل في الظَّواهر النّقليّة إذ لا يحصل منها العلم باجتماع الحكمين غاية الأمر الظَّهور في ذلك وهو لا يعارض البرهان العقلي وحينئذ فنقول للمانعين في تأويل تلك الظَّواهر مسالك عديدة ولنقدم ما ذكروه في العبادات المكروهة فنقول مرجع كل ما يذكر في التّأويل أحد الأمرين وذلك لأنّ الإشكال إنّما نشأ من كون العبادة مطلوب الفعل للأمر ومطلوب التّرك للنّهي وطلب الفعل والتّرك ضدان فدفع الإشكال بناء على القول بالمنع إنّما يكون برفع التّضاد بين طلب الفعل والتّرك فيها بتقييد التّرك المطلوب بما يخرجه عن كونه نقيضا للفعل المطلوب أو يمنع كون النّهي فيها بمعنى طلب التّرك فهنا وجهان أحدهما ما ذهب إليه بعض الأفاضل وتقريره من وجهين الأوّل أنّ وجه امتناع مطلوبيّة الفعل والتّرك هو امتناع اتصاف وجود الشّيء وعدمه بحكم واحد من المطلوبيّة والمبغوضيّة لكون الوجود والعدم متناقضين فيمتنع كونهما معا مطلوبين أو مبغوضين وحينئذ فلو قيد عدم الشّيء بما يخرجه عن كونه نقيضا له لم يكن مانع من اجتماعهما في الحكم الواحد كما في العبادات المكروهة وذلك لأنّ فعل العبادة بقصد القربة مطلوب ونقيض هذا هو ما لا يمكن رفعه معه وهو تركه المطلق فلا يمكن كونه أيضا مطلوبا وأمّا تركه المقيد بقصد القربة فليس نقيضا لفعله المعتبر معه قصد القربة لإمكان ارتفاعهما معا بأن يترك العمل من دون أن يكون التّرك بقصد القربة وحينئذ فلا مانع من كون التّرك المقيد بالقربة مطلوبا أن فعله المقيد بالقربة أيضا مطلوب لكن يجب أن لا يكون الطَّلب عينيّا لا لاجتماع الضّدين في محل واحد لما عرفت من تغاير المحلين بل للزوم التّكليف بما لا يطاق لو تعين عليه الفعل بقصد القربة والتّرك كذلك وأمّا الطَّلب التّخييري فلا ضرر فيه بل له نظائر عديدة في