الوجوب رجحان طرف الوجود ومقتضى الأصل تساوي الطَّرفين لأنّ الرّجحان زيادة تنفى بالأصل ولذا ذكر الرّئيس أنّ كل ما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان ما لم يزدك عنه قائم البرهان وأيضا الممكن أكثر فيجب إلحاق المشكوك به وأمّا الأصل اللَّفظي فلأنّ الجواز هو مقتضى ظاهر الخطابين لتعلق كل منهما بطبيعة غير ما تعلق به الآخر وهو لا يستلزم أمرا محالا غاية الأمر أنّ المكلَّف يجمعها في مورد واحد بسوء اختياره وفيه نظر لأنّ مقتضى العقل في مقام الشّك في الإمكان هو التّوقف لا الحكم بالإمكان وأصالة عدم الرّجحان فاسد لأنّ الامتناع على فرض ثبوته ليس مسبوقا بالعدم حتى يجري الأصل فيه كما سبق بيانه في مبحث المشترك وبالجملة العقل يحكم بالتّوقف والمراد من كلام الرّئيس هو أنّ كل ما قرع سمعك فاجعله أمرا محتملا ولا تحكم بامتناعه بلا دليل ولا بإمكانه أيضا ولذا ذكر أنّ كل من حكم في واقعة بحكم من دون أن يثبت عنده بالدّليل فهو خارج عن فطرة الإنسان ووجهه ظاهر وأمّا جهة الإلحاق بالأكثر ففسادها غير خفي لأنّ الممتنع لا يمكن وجوده حتى يكون الممكن أكثر منه وإن لوحظ الكثرة بالنّسبة إلى المفهومات الممكنة والممتنعة فأكثريّة الممكنة ممنوعة وأمّا الأصل اللَّفظي فلا يظهر منه الجواز أمّا أوّلا فمنع تعلق الطَّلبين بالطَّبيعة بل الطَّلب متعلق بإيجادها وهو الأفراد وحينئذ فظاهر الطَّلبين اجتماعهما في مورد الاجتماع وهو غير جائز وأمّا ثانيا فلما ذكرنا أنّه يجب أن يكون بين الكليّين لا محالة قدر مشترك ليوجدا معا في مورد الاجتماع والطَّلبان يتعلقان بذلك القدر المشترك الذي هو أمر واحد شخصي في مورد الاجتماع وهو محال فعلم أنّ ظاهر الخطابين ليس أمرا جائزا عقلا اللَّهم إلَّا أن يريد من ذلك أنّ مقتضى ظاهر الطَّلبين هو اجتماعهما في مورد واحد فإنّه مسلم لكنّه غير مسألة جواز الاجتماع الذي كلامنا فيه إذ الكلام إنّما هو أنّ مقتضى الخطابين هل هو أمر جائز عقلا أو لا وقد عرفت عدم جوازه سواء قلنا بتعلَّق الأحكام بالأفراد أو بالطَّبائع فتأمّل إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول اختلفوا في المسألة على أقوال الجواز مطلقا والمنع مطلقا والجواز عقلا لا عرفا استدل المجوزون بوجوه أحدها عدم المقتضي للمنع لأنّ وجه المنع إمّا لزوم اجتماع الضّدين في محل واحد أو لزوم التّكليف بما لا يطاق وكلاهما ممنوعان أمّا الثّاني فلاعتبار المندوحة أي القدرة على الامتثال المنفك عن المعصية وأمّا الأوّل فيقرر بوجهين أحدهما أنّ المأمور به والمنهي عنه لما كان بينهما عموم من وجه وجب تغايرهما ذاتا ووجودا فهما موجودان بوجودين فلا فرق بين الصّلاة والغصب وبينهما وبين النّظر إلى الأجنبيّة إلَّا أنّ تغاير الموجودين في الثّاني ظاهر على الحس دون الأوّل وإذا تغاير الوجودان والذّاتان لم يلزم اجتماع الضّدين في محل واحد وثانيهما أنّ اتحاد الوجودين مسلم لكن تغاير الذّاتين كاف في المطلوب لأنّهما إنّما تعلقا بالطَّبيعتين من غير اعتبار الوجود فلا دخل للوجود في الطَّلب فلا يلزم اتحاد المطلوب والمبغوض لا يقال إنّ الفرد لما كان مقدمة للطبيعة لزم سراية الحكم إليه من