ومثال النحو الثاني من أدلة البراءة المستفادة من حديث الرفع أو الحجب ، فان مفاده الرفع الظاهري للتكليف الواقعي المشكوك ، ومعنى الرفع الظاهري عدم وجوب الاحتياط ، فالبراءة المستفادة من هذا الحديث وأمثاله تستبطن بنفسها نفي وجوب الاحتياط وليست منوطة بعدم ثبوته . ونستعرض فيما يلي جملة من الروايات التي تدعي دلالتها على وجوب الاحتياط ، وسنرى انها لا تنهض لاثبات ذلك : فمنها : المرسل عن الصادق ( ع ) قال : " من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه " ، ونلاحظ ان الرواية غاية ما تدل عليه الترغيب في الاتقاء ، وليس فيها ما يدل على الالزام . ومنها : ما روي عن أمير المؤمنين ( ع ) من أنه قال لكميل : يا كميل أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت . ونلاحظ ان الرواية وان اشتملت على امر بالاحتياط ولكنه قيد بالمشيئة ، وهذا يصرفه عن الظهور في الوجوب ، ويجعله في إفادة ان الدين امر مهم ، فأي مرتبة من الاحتياط تلتزم بها تجاهه فهو حسن . ومنها : ما عن أبي عبد الله ( ع ) : أورع الناس من وقف عند الشبهة . ونلاحظ ان هذا البيان لا يكفي لاثبات الوجوب إذ لم يدل دليل على وجوب الأورعية . ومنها : خبر حمزة بن طيار انه عرض على أبي عبد الله ( ع ) بعض خطب أبيه حتى إذا بلغ موضعا منها قال له : كف واسكت . ثم قال : لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون الا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على الحق ، ويجلوا عنكم فيه العمى ،