الفقيه من خلال استنباطه وتتبعه يتواجد لديه علم تفصيلي بعدد محدد من التكاليف لا يقل عن العدد الذي كان يعلمه بالعلم الاجمالي في البداية ، ومن هنا يتحول علمه الاجمالي إلى علم تفصيلي بالتكليف في هذه المواقع ، وشك بدوي في التكليف في سائر المواقع الأخرى . وقد تقدم في حلقة سابقة إن العلم الاجمالي إذا انحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي ، بطلت منجزيته ، وجرت الأصول المؤمنة خارج نطاق العلم التفصيلي . والاعتراض الآخر أن أدلة البراءة معارضة بأدلة شرعية ، وروايات تدل على وجوب الاحتياط ، وهذه الروايات ، أما رافعة لموضوع أدلة البراءة ، واما مكافئة لها ، وذلك أن هذه الروايات بيان لوجوب الاحتياط لا للتكليف الواقعي المشكوك . فدليل البراءة ان كانت البراءة فيه مجعولة في حق من لم يتم عنده البيان لا على التكليف الواقعي ، ولا على وجوب الاحتياط ، كانت تلك الروايات رافعة لموضوع البراءة المجعولة فيه باعتبارها بيانا لوجوب الاحتياط ، وان كانت البراءة في دليلها مجعولة في حق من لم يتم عنده البيان على التكليف الواقعي ، فروايات الاحتياط لا ترفع موضوعها ، ولكنها تعارضها ، ومع التعارض لا يمكن أيضا الاعتماد على أدلة البراءة . ومثال النحو الأول من أدلة البراءة : البراءة المستفادة من قوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ، فإن الرسول اعتبر كمثال لمطلق البيان وإقامة الحجة ، وإقامة الحجة كما تحصل بإيصال الحكم الواقعي ، كذلك بإيصال وجوب الاحتياط . فروايات وجوب الاحتياط بمثابة بعث الرسول ، وبذلك ترفع موضوع البراءة .