تقدم ما أخذ في موضوعه الشك ولا شك مع القطع . وبهذا يظهر ان القطع لا يتميز عن الظن والاحتمال في أصل المنجزية ، وانما يتميز عنهما في عدم امكان تجريده عن تلك المنجزية ، لان الترخيص في مورده مستحيل كما عرفت ، وليس كذلك في حالات الظن والاحتمال ، فان الترخيص الظاهري فيها ممكن لأنه لا يتطلب أكثر من فرض الشك والشك موجود ، ومن هنا صح أن يقال إن منجزية القطع غير معلقة بل ثابتة على الاطلاق ، وان منجزية غيره من الظن والاحتمال معلقة لأنها مشروطة بعدم إحراز الترخيص الظاهري في ترك التحفظ . معذرية القطع : كنا نتحدث حتى الآن عن الجانب التنجيزي والتسجيلي من حجية القطع ( المنجزية ) ، والآن نشير إلى الجانب الآخر من الحجية وهو المعذرية ، اي كون القطع بعدم التكليف معذرا للمكلف على نحو لو كان مخطئا في قطعه لما صحت معاقبته على المخالفة ، وهذه المعذرية تستند إلى تحقيق حدود مولوية المولى وحق الطاعة . وذلك لان حق الطاعة هل موضوعه الذي تفرض طاعته تكاليف المولى بوجودها في الشريعة بقطع النظر عن قطع المكلف بها وشكه فيها ، أو قطعه بعدمها ، أي انها تستتبع حق الطاعة في جميع هذه الحالات ، أو ان موضوع حق الطاعة تكاليف المولى المنكشفة للمكلف ولو بدرجة احتمالية من الانكشاف ؟ فعلى الأول لا يكون القطع معذرا إذا خالف الواقع ، وكان التكليف ثابتا على خلاف ما قطع ، وعلى الثاني يكون القطع معذرا إذ لا حق طاعة للمولى في حالة عدم انكشاف التكليف ولو انكشافا احتماليا . والأول من هذين الاحتمالين غير صحيح ، لان حق الطاعة من المستحيل ان يحكم به العقل بالنسبة إلى تكليف يقطع المكلف بعدمه ، إذ لا يمكن للمكلف ان يتحرك عنه فكيف يحكم العقل بلزوم ذلك ، فيتعين الاحتمال الثاني ، ومعه يكون القطع