ورابعاً : أنّه لم يقيِّد الأحكام بالكلّيّة ، فتشمل القاعدة الفقهيّة ، التي يستنبط منها أحكام جزئيّة . والقول : بأنّ اللاّم فيها للعهد ، وهو الأحكام الكلّيّة غير مسموع ; لما أشرنا إليه : من أنّه لابدّ وأن تؤخذ في ظاهر التعريف . قال المحقّق النائيني ( قدس سره ) : ينبغي تعريف علم الأُصول : بأنّه العلم بالكُبريات التي لو انضمّت إليها صُغرياتها يستنتج منها حكم كلي ( 1 ) . ولا يخفى أنّ هذا التعريف هو تعريف المشهور ، لكنّه بعبارة أُخرى ; حيث بدّل القواعد بالكُبريات ، والاستنباط بالاستنتاج ، فما كان يرد على تعريف المشهور : من خروج الظنّ على الحكومة ، وخروج الأُصول العمليّة في الشبهات الحكميّة عن المسائل الأُصوليّة ، يتوجّه على هذا التعريف أيضاً ، كما يتوجّه على هذا التعريف أيضاً ما أُورد على تعريف المشهور : بأنّ علم الأُصول نفس الكُبريات لا العلم بها ( 2 ) . ويتوجّه على هذا التعريف دخول بعض القواعد الفقهيّة في المسائل الأُصوليّة كقاعدة « ما يُضمن بصحيحه يُضمن بفاسده » ، وعكسها . والعجب منه ( قدس سره ) كيف عرّفه بذلك ، مع أنّ إشكال المحقّق الخراساني ( قدس سره ) على تعريف المشهور ( 3 ) ، كان بمرأىً منه ومسمع ؟ ! وقال ( قدس سره ) - في أوائل الاستصحاب - في الفرق بين المسألة الأُصوليّة والقاعدة الفقهيّة كلاماً لا يخلو عن غرابة ، فليراجع ( 4 ) .
1 - فوائد الأُصول 1 : 29 . 2 - نهاية الأفكار 1 : 19 ، حقائق الأُصول 1 : 15 . 3 - كفاية الأُصول : 23 - 24 . 4 - قلت : وإليك حاصل ما أفاده ( قدس سره ) هناك في الفرق بين المسألة الأُصوليّة والقاعدة الفقهيّة : وهو أنّ المسألة الأُصوليّة هي ما تقع كبرى لقياس استنباط الحكم الشرعي الكلّي - سواء كان واقعيّاً أو ظاهرياً - ولا يتعلّق بعمل آحاد المكلّفين ابتداء إلاّ بعد تطبيق النتيجة على الموارد الخاصّة الجزئيّة . وأمّا القاعدة الفقهيّة فهي وإن تقع كبرى لقياس الاستنباط ، إلاّ أنّ النتيجة فيها إنّما تكون جزئيّة ; تتعلّق بعمل آحاد المكلّفين بلا واسطة ; أي لا تحتاج في تعلّقها بالعمل إلى مؤُنة أُخرى ، كما هو الشأن في نتيجة المسألة الأصوليّة ( أ ) . انتهى كلامه ملخّصاً . ولعلّ وجه الغرابة هو ما تقدّم : من أنّ بعض المسائل الفقهيّة لم يكن وظيفة للمكلّف في مقام العمل ، كمسألة طهارة الماء والأرض ، ونجاسة الكلب والخنزير ، ومسألة الضمان والنصاب . . . إلى غير ذلك من الأحكام الكليّة الإلهيّة التي لم تكن من وظائف المكلّف في مقام العمل . وما تقدّم من أنّ قاعدة « ما يُضمن » وعكسها قاعدة فقهيّة ، ولو انضمّ صغراهما إليهما لاستفيد منه الحكم الكلّي . وقد ذكر ( قدس سره ) هناك في آخر كلامه - في الفرق بين المسألتين - ما يرجع إلى ما حكيناه عن الشيخ ( قدس سره ) ، فقال : إنّ نتيجة المسألة الأُصوليّة إنّما تنفع المجتهد ، ولا حظّ للمقلّد فيها ، ومن هنا ليس للمجتهد الفتوى بمضمون النتيجة ، وأمّا النتيجة في القاعدة الفقهيّة فهي تنفع المقلّد ، ويجوز للمجتهد الفتوى بمضمون النتيجة ، ويكون أمر تطبيقها بيد المقلّد ( ب ) . فيتوجّه عليه ما يرد على مقال الشيخ ( قدس سره ) ، فلاحظ . المقرّر ( أ ) - فوائد الأُصول 4 : 308 - 310 . ( ب ) - نفس المصدر السابق .