فما ذكره ( قدس سره ) : من أنّه لم يكن في العرف منها عين ولا أثر ، غير مُستقيم ; لما أشرنا إليه : من أنّ العرب في ابتداء البعثة ونزول المطلقات ، كانوا يفهمون منها مقاصد الشارع الأقدس ، ولم تكن هذه الماهيّات من مُخترعات الشريعة ، بل كانت معروفة معهودة من زمن الجاهليّة ، نعم الشارع الأقدس زاد فيها ونقص ( 1 ) . فعلى هذا لا يتمّ ما ذكره : من أنّ المطلقات غير واردة في مقام البيان فلا يصحّ التمسُّك بها ; بداهة أنّه إنمّا يتمّ فيما إذا لم يفهم العرب - حال نزول الآيات - منها شيئاً أصلاً ، وقد عرفت خلافه . وثانياً : لو سُلّم عدم معلوميّة مفاهيم تلك الماهيّات في الصدر الأوّل ، إلاّ أنّه لا ينبغي الإشكال في معلوميّتها في الأزمنة المتأخّرة وخصوصاً في مثل زماننا ، فبعد معلوميّة ماهيّة الصوم - مثلاً - وأنّه عبارة عن الإمساك عن عدّة أُمور - من طلوع الفجر إلى ذهاب الحمرة المشرقيّة - إذا شكّ في مُبطليّة مطلق الكذب للصوم - مثلاً - فيمكن للأعمّي أن يتمسّك لنفيه بقوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ . . . ) ( 2 ) . وأمّا الصحيحي فلا يمكنه ذلك ; لأنّ مرجع الشكّ في المبطليّة عنده إلى الشكّ في تحقّق المسمّى . وكذا إذا شكّ في اعتبار أمر زائد في الصوم الذي يجب على من ارتكب قتلاً خطأ ، فيتمسّك الأعمّي بإطلاق قوله تعالى : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ . . . ) ( 3 ) دون الصحيحي . . . إلى غير ذلك . فتحصّل : أنّ المطلقات الواردة في الكتاب والسُّنّة واردة في مقام البيان ، ولذا
1 - قلت : هذا الكلام من هذا المحقّق ( قدس سره ) ، ينافي ما سبق منه من عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، كما لا يخفى . المقرّر 2 - البقرة : 183 . 3 - النساء : 92 .