تمكنوا من الاطّلاع على جميع بقاع الأرض ، فصار علم الجغرافيا عبارة عن معرفة أوضاع جميع أنحاء الأرض ، بعد أن كان عبارة عن معرفة بلدة أو ناحية منها ، ولكن مع ذلك كلّه يصدق علم الجغرافيا على كلّ ما اُلِّفَ في سابق الأيام وحاضرها . وبالجملة : لا وجه للالتزام بوجود موضوع واحد لكلّ علم ; حتّى يتكلّف لتعينه ويتحمّل أُموراً غير تامّة ، مثل أنّه لابدّ وأن يكون البحث في العلم عن عوارضه الذاتيّة حتّى يقعوا في حيص وبيص في المراد بالعرض الذاتي ، فيختلفوا في المراد منه ( 1 ) . بل يكفي لوحدة العلم مسانخة عدّة قضايا متشتّتة ووجود ارتباط خاصّ بينها وإن لم يكن موضوعها واحداً . إذاً فلا وجه لالتزامهم بأنّ موضوع علم الفقه عمل المكلّف ( 2 ) مع أنّه لا ينطبق على كثير من مسائل الفقه ، مثل مسائل النجاسات والمطهّرات ، وكثير من أحكام الضمانات والإرث ، والأحكام الوضعيّة . . . إلى غير ذلك ; بداهة أنّ مسألة « الكلب نجس » حكم برأسه وجد هناك مكلّف أم لا ، وكذا « الشمس مطهّرة » حكم برأسه ، وكذا مسألة « من مات - مكلّفاً كان أم لا - فبعض تركته لابنه - مكلفاً كان أم لا - ومقدار آخر لبنته كذلك ، وحصّة لزوجته » وهكذا . . . إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا ينبغي الإشكال في كونها مسائل فقهيّة ، مع أنّه لم يكن الموضوع فيها عمل المكلّف ( 3 ) . وربّما يتشبّث في ذلك بأنّ المقصد الأصلي في تلك المسائل ونحوها ، إنّما هو ترتيب المكلّف آثار النجاسة على ما باشره الكلب ، أو ترتيب المكلف آثار الطهارة