شخص واحد ، وكان يداوي الرجل الواحد المرضى مع ما هم عليه من أنواع الأمراض والعلل ، وقد كان بينهم طبيب دوّار بطبّه ، وهو الطبيب الذي يدور في البلدان والقرى لمعالجة المرضى على اختلاف أمراضهم وعللهم ، ثمّ كثرت مسائله ; بحيث صارت نسبة المسائل المدوّنة والمنتشرة في بدء تأسيسه ، بالنسبة إلى ما دُوِّن في الأعصار المتأخّرة ، نسبة الواحد إلى الألف بل أكثر ، بل قد تشعبّت وتكثّرت مسائل علم الطبّ ومباحثه ; بحيث لا يتمكّن الرجل الواحد الإحاطة بجلّ مسائله ; فضلا عن الإحاطة بها جميعاً ، بل لابدّ من التخصّص في بعض نواحيه ، فترى المسائل المرتبطة بمعالجة العين - مثلاً - كانت قليلة جدّاً ، فصارت كثيرة بحيث لا يتمكّن معرفتها إلاّ بعد الدراسة والتعلّم لها في مدّة لا يستهان بها . بل قد يقال : إنّ لمعرفة الأُمور والأمراض المتعلّقة بالعين نواحي متعدّدة ، قد اُلّف في كلّ ناحية منها كتاب أو كتب تدرّس إلى الطلاّب المتخصصين في هذه الناحية . ولكن مع ذلك كلّه تشترك جميع تلك المسائل ، وتكون بينها نحو سنخيّة وارتباط بلحاظ أنّها راجعة إلى صحّة البدن وفساده ، وعلى هذا فلا حاجة إلى تجشّم إدخالها في موضوع واحد . وإن كان مع ذلك في خاطرك شيء فيما ذكرنا ، فلاحظ علم الجغرافيا فإنّه أصدق شاهد على ما ذكرنا ، فإنّه في بدء تأسيسه لم تكن أوضاع تمام الأرض معنونة فيه ، بل المعنون فيه أوضاع بلدة أو ناحية منها ، بل لم يمكن أن يطّلع ويقف رجل واحد على أوضاع أحوال جميع الأرض ; سهلها وجبلها ، برّها وبحرها ، مدنها وقراها . . . إلى غير ذلك في الأعصار السابقة الفاقدة للوسائل الحديثة المتداولة في أعصارنا ، بل لا بدّ وأن يجاهد في ذلك رجال أذكياء . فيكون مقصود قدمائهم بعلم الجغرافيا هو البحث عن أوضاع نواحيهم وبقاعهم - لا البحث عن أوضاع جميع الأرض - إلى أن كَمُلَ علم الجغرافيا تدريجاً ; وذلك حين