فقد ظهر لك ممّا ذكرنا : أنّ مقابل المشهور قائل : بأنّ مجموع المادّة والهيئة يدلّ على المعنى التصديقي ، والمشهور قائلون بأنّ الهيئة تدلّ عليه ، وما يقبل أن يقع محلّ النزاع هو أن يقال : إنّ الدالّ على المعنى التصديقي ، هل هو الهيئة ، أو المجموع منها ومن المادّة ؟ هذا ما ينبغي أن يقع محطّ البحث ، وأمّا لو صرّح أحد : بأنّ للمجموع المركّب وضعاً على حِدة على المعنى التصديقي ، غير وضع الهيئة له ، فلابدّ وأن يكون مُراده أنّه كما يوجد في المفردات ألفاظ مترادفة ، فكذلك يوجد في الجمل مترادفات ، فكلٌّ من الهيئة ومجموع المادّة والهيئة يدلّ على المعنى التصديقي ، فلا يرد عليه لزوم التكرار في الدلالة ، كما لا يخفى . والحاصل : أنّ مخالف المشهور : إمّا يريد بأنّ الهيئة لم توضع لإفادة المعنى التصديقي ، وما وضع له هو مجموع المادّة والهيئة ، وهذا هو الظاهر من مقالته ، أو يريد بأنّ مجموع المادّة والهيئة يرادف ما تدلّ عليه الهيئة ، ولا مانع من وقوع الترادف في الجمل ، كما هو المأنوس في المفردات . وكيف كان ، يرد على مقالة مقابل المشهور ما أورده عليه الأديب المتضلّع ابن مالك في شرح المفصّل ، فإنّه قال على ما حُكي عنه : إنّه لو كان للمركّبات وضع لما كان لنا أن نتكلّم بكلام لم نسبق إليه ; وحيث أنّ المركّب الذي أحدثناه لم يسبقنا إليه أحد ، وكذلك هذا الكتاب لم يكن موجوداً عند الواضع ، فكيف وضعه الواضع ( 1 ) ؟ ! وحاصل ما أفاده هذا الأديب : هو أنّ ما يمكن أن يدلّ على المعنى التصديقي إنّما هو الهيئة - سواء في هيئة المفردات أو المركّبات - لا المجموع منها ومن الموادّ ; لإمكان
1 - نقل حكاية ذلك عن ابن مالك في نهاية الدراية 1 : 76 .