لأنّ باب الدلالة باب الهداية ، وهداية المتكلّم المخاطب إنّما تتحقّق إذا أراد المتكلّم معنى اللّفظ ، وإلاّ لو صدر منه كلام سهواً أو في حال النوم ، لا يقال : إنّه أهدى المخاطبَ إلى واقع ذلك الكلام . وبالجملة : كلام العَلَمين بصدد بيان أنّ دلالة الألفاظ على معانيها الموضوعة لها ، إنّما تتوقّف على إرادة المتكلّم إيّاها ، وعند إرادة المتكلّم وفهم المخاطب إيّاها يصدق عليها الدلالة الفعليّة ، ويقال : إنّها دالة فعلاً ، وإلاّ يقال : إنّها تصلح للدلالة والهداية ، فكلامهما خارج عن بيان حدود الموضوع له ، بل في مقام بيان دلالة اللّفظ الموضوع لمعنىً ، وقد صرّح المحقّق الطوسي ( قدس سره ) في عبارته المتقدّمة ; حيث قال : إنّ دلالة اللّفظ لمّا كانت وضعيّة ، كانت متعلّقة بإرادة المتلفّظ الجارية على قانون الوضع . . . إلى آخره . وظاهر أنّه لو كان بصدد تحديد المعنى الموضوع له ، لوجب أن يقول : الموضوع مقيّد بإرادة المعنى وفهم المخاطب ، ومُراده بالجري على قانون الوضع هو أنّ المستعمِل لابدّ وأن يريد معنى اللّفظ على طبق ما وضعه الواضع ، فهذا أقوى شاهد على أنّ كلامهما لم يكن بصدد تحديد المعنى الموضوع له ، ويشهد لما ذكرناه أيضاً تقييد دلالة اللّفظ بفهم المخاطب ، وهل ترى من نفسك أن يتفوّه فاضل - فضلاً عمّن يكون بدراً بل شمساً في سماء الفضل والتحقيق - : بأنّ فهم المخاطب دخيل في المعنى الموضوع له ، فهذا صريح في أنّ مُرادهما بذلك : هو أنّ اتّصاف اللّفظ الموضوع لمعنىً بالدلالة الفعليّة ، إنّما يتوقّف على إرادة المتكلّم وفهم المخاطب ، وإلاّ يكون للّفظ شأنيّة الدلالة ، فكما أنّ اتّصاف النبيّ الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بكونه هادياً مرشداً ، إنّما هو بعد تبليغه وإرشاد الناس وهداية الناس بتبليغه ، وإلاّ لو لم يقصد هدايتهم ، أو قصد ولكن لم يرشدوا ، لم يصدق عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه كان هادياً فعلاً لهم . فإذاً إن ألقى المتكلّم كلاماً مُفهماً لمعنىً ، وأراد ذلك ، وفهم المخاطب ذلك المعنى منه يصدق فعلاً على كلامه أنّه دالّ ، وباب الدلالات باب التحويل والتحوّل ، وفهم المعنى