ذكر وتعقيب ذكر المحقّق النائينيّ ( قدس سره ) لإثبات أنّ الحروف كلّها إيجاديّة أُموراً لا يرتبط بعضها بالمقصود : أنكر في الأمر الأوّل كون المعاني والمفاهيم مركّبة ، بل قال : إنّ الحقيقة التي يدركها العقل - سواء كان لها خارج يشار إليه ، أم لا - مجرّدة عن كلّ شيء وبسيطة غاية البساطة ; بحيث لا تكون فيها شأنيّة التركيب ، بل لا تركيب في الأوعية السابقة على وعاء العقل ; من الواهمة والمتخيّلة ، بل الحس المشترك أيضاً ; إذ ليس في الحسّ المشترك إلاّ صورة الشيء مجرّدة عن المادّة ، ثمّ يرقى إلى القوّة الواهمة ، ثم يصعد إلى المدركة العقلائيّة ، ويكون الشيء في تلك المرتبة مجرّداً عن كل شيء حتّى عن الصورة . وما يقال : من أنّ الجنس والفصل عبارة عن الأجزاء العقلية ( 1 ) ، فليس المراد أنّ المدركات العقليّة مركّبة من ذلك ، بل المراد أنّ العقل - بالنظر الثانوي إلى الشيء - يحكم بأنّ كلّ مادّيّ لابدّ وأن يكون له ما به الاشتراك الجنسي وما به الامتياز الفصلي ، وإلاّ فالمدرَك العقلائي لا يكون فيه شائبة التركيب أصلاً ، فمرادنا من المعنى والمفهوم في كلّ مقام هو ذلك المدرَك العقلي . ثمّ ورد في تفسير قولهم في رسم الاسم والحرف فقال : إنّ مُرادهم بأنّ الاسم ما دلّ على معنىً في نفسه ، أو قائم بنفسه ( 2 ) : هو أنّ المعنى الاسمي له تقرّر وثبوت في وعاء العقل من دون أن يتوقف إدراكه على إدراك أمر آخر ; سواء كان المعنى من مقولة الجواهر أو الأعراض ، فإنّ الأعراض أيضاً مستقلّة بحسب المفهوم والهويّة حتّى الأعراض النسبيّة كالأُبوّة والبنوّة ; لأنّ تصوّر العرض النسبي وإن كان يتوقف على تصوّر طرفيها ، إلاّ أنّه مع ذلك له معنىً متحصّل في حد نفسه عند العقل .
1 - شرح المواقف 3 : 33 ، كشف المراد : 91 . 2 - شذور الذهب : 14 ، شرح الكافية 1 : 7 سطر 11 .