والربط ; ألا ترى أنّ قولنا : « سرت الابتداء البصرة والانتهاء الكوفة » لا تدلّ على ما يدلّ عليه قولنا : « سرت من البصرة إلى الكوفة » . وبالجملة : ما يتبادر وينسبق إلى الذهن من قولنا : « سرت من البصرة إلى الكوفة » ، هو أنّ ما يدلّ على أنّ ابتداء السير كان من البصرة هي لفظة « من » ، وما يدلّ على أنّ انتهاء سيره إلى الكوفة هي لفظة « إلى » . وواضح أنّ المتبادر من قولنا : « يا زيد » هو إيجاد النداء ، ويصير « زيد » بذلك منادىً ، ولم يكن لمعنى هذه الجملة تقرّر وثبوت مع قطع النظر عن هذا الاستعمال ، بل توجد في موطن الاستعمال ، فواقعيّة هذا المعنى وحقيقته تتوقّف على الاستعمال ، وبه يكون قوامه ، بخلاف « زيد » فإنّ له نحو تقرّر وثبوت في وعاء الذهن والخارج مع قطع النظر عن الاستعمال . والمتبادر من بعض الحروف أنّها مثل علامات الإعراب من الرفع والنصب والجرّ ، ك « كاف » الخطاب في قوله تعالى حكاية عن زليخا : ( فذلكنّ الذي لمتنّني فيه ) ( 1 ) ، فإنّ الكاف لا تدلّ ولا تحكي عن معنىً ، وإنّما هي علامة لكون المخاطب مذكّراً . فظهر ممّا ذكرنا : أنّ الحروف على طوائف مختلفة ، ولم يدلّ دليل من العقل أو من الشرع أو من غيرهما على أنّ جميعها إيجادي ، كما يراه المحقّق النائيني ( قدس سره ) ( 2 ) أو حكائيّ وإخطاريّ ، كما ذهب إليه المحقّق العراقي ( قدس سره ) ( 3 ) ، فالّذي ندّعيه غير ما ادّعاه العَلَمان ، فلابدّ لنا من بيان الخلل الواقع في كلامهما ، ليتّضح الحال ، فنقول :