ذكرنا إن في بعض هذه الصور الثلاثة يجري الاستصحاب في وجود الحكم فقط ، كما فيما إذا تعلق صرف طبيعة الحكم بصرف الوجود ، فحينئذ لا مجال لجريان استصحاب العدم ، لأنه إذا تحقق فرد من الطبيعة في الخارج انقلب العدم الأزلي بالوجود ، وفي بعضها يجري استصحاب الوجود والعدم كليهما ، كما فيما إذا تعلق الحكم بالطبيعة السارية ، وكان الزمان ظرفا ، كما إذا قيل أكرم العالم في شهر رمضان مثلا ، فيكون المقام من قبيل الامر بإكرام كل فرد من أفراد الانسان ، لان طبيعة العالم لها أفراد كثيرة ويتعدد الحكم بتعددها ، وتختلف دائرته سعة وضيقا ، فكل من أفراد العالم يتعلق به حكم مستقل له طاعة أو عصيان لا يسقط أمر الطبيعة بسقوط الامر عن واحد منها ، فهي في الحقيقة موضوعات عديدة للأحكام متماثلة ، فإذا انقضى الأمد المضروب وبقيت تلك الموضوعات ، وحدث بعده أفراد أخر للعالم ، فحينئذ يشك في بقاء ذاك الحكم المتعلق بإكرام العلماء ، لاحتمال بقاء ملاكه أو تجدد ملاك آخر لثبوته ، فحينئذ كما إنه يجوز الرجوع إلى استصحاب وجود الحكم الثابت المعلوم أولا للعالم ، والحكم ببقائه عند الشك حتى يطبق العقل عنوان موضوعه على مصاديقه الموجودة في ظرف القطع بالحكم والحادثة بعده ، فيلزم ترتيب الأثر على الجميع في ظرف الاستصحاب ، كذلك لا بأس بالأخذ باستصحاب عدم الحكم للافراد الحادثة ، فإنها لم يعلم باندراجها تحت ما علم من الحكم ، فيقطع التعارض بين الأصلين لانطباق استصحاب الوجود في المقام بالنظر إلى العلم بثبوت الحكم للطبيعة الصادقة على أفرادها الموجودة فعلا ، وبطول الزمان تدريجا ، وانطباق استصحاب العدم بالنظر إلى العلم بعدم ثبوت الحكم للافراد الحادثة فيما بعد الظرف المذكور في الخطاب ، فالملحوظ في المقام متعدد لا يلزم من إجراء الأصلين تعدد اللحاظ في ملحوظ واحد ، حتى ترد دعوى التعارض باستلزامها لتعدد اللحاظ في شئ واحد ، كما زبر في الكفاية ، فنحن في هذه الصورة نخالف الشيخ رحمه الله ، حيث إنه لا يقول بجريان استصحاب إذا كان الزمان ظرفا للحكم نظرا إلى دعوى انقلاب العدم بالوجود ، لكنا نقول بجريانه بالتقريب المتقدم ، هذا إذا أخذ الزمان ظرفا ، وأما إذا أخذ قيدا مفردا للموضوع مثل أكرم زيدا في كل يوم ، حيث تعلق الحكم بزيد مقيد بالأيام ، ولذا يتصور