فقالت المعتزلة : إنه صفة فعل ، لان الكلام عبارة عن الحروف والأصوات الموجودة في الخارج وبالنسبة إليه تعالى أنها مخلوقة في الهواء وأنها حادثة بالضرورة ، قال الأشعري : هي صفة ذات وأنه متكلم أزلا وأبدا ، وخلق الأصوات والحروف إنما هو في الكلام اللفظي دون النفسي الذي هو مدلول الكلام اللفظي . قال الشاعر : ان الكلام لفي الفؤاد * وانما جعل اللسان على الفؤاد دليلا وأجاب عنه المعتزلي بأنه إن كان المراد العلم في الإخباريات والإرادة والكراهة في الإنشائيات فليس هذه صفة مغايرة للعالم والمريد أو الكاره ، والمفروض مغايرتها ، وإن كان غيرها فهو غير معقول . قال الأشعري : إنه هو الطلب في الامر وفي النفس هو قائم بها . أجاب المعتزلي بأنه ليس في النفس صفة قائمة بها غير الإرادة عند الامر ، وليس هنا شئ آخر يسمى بالطلب أو الكلام النفسي . فانقدح بذلك أن النزاع في أن الطلب هل هو الإرادة أو غيرها منشعب من النزاع في أن التكلم من صفات فعله تعالى أو ذاته تعالى . وأن ما في الألسنة من عينية الطلب والإرادة فيه ما لا يخفى . والحاصل : ان الأشعري يدعي أن في النفس شيئين ، الطلب والإرادة ، والمعتزلي يقول بعدم شئ في النفس وجدانا غير الإرادة لا أن هنا شيئا آخر هو الطلب وهو عين الإرادة ، بل ليس شئ غيرها تدبر تعرف . وما في الكفاية من إمكان الاصلاح بأنه لا نزاع بينهما في ماهية الطلب والإرادة ولا في وجودهما بأنحائهما ، من الحقيقي والذهني والمفهومي والخارجي والانشائي وإنما الاختلاف في منصرفهما عند الاطلاق ، فإن الانصراف في الأول ( يعني الطلب ) الانشائي وفي الثاني ( يعني الإرادة ) الحقيقية .