إلى غلبة الاستعمال فيما يستعمل في معنيين مع غلبته في أحدهما ، فإنّها - على ما ستعرف في مباحث أمارات الوضع - تدلّ على الحقيقة فيما غلب استعماله فيه والمجاز فيما ندر ، فإذا دلّ الاستعمال مع الغلبة على الوضع فلئن يدلّ مع الانحصار عليه طريق للأولويّة . ورابعها : تنصيص أهل العربيّة وأئمّة اللغة في جملة من هذه الألفاظ بل كلّها بأنّه حقيقة في كذا ومجاز في كذا ، كلفظة " في " مثلا في الظرفيّة والسببيّة ، ولفظة " ذا " في القريب والبعيد إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على الخبير البصير . بتقريب : أنّ الحقيقة والمجاز يستلزمان الوضع والاستعمال مع اتّحاد مورديهما في الحقيقة ، والمفروض أنّ استعمال هذه الألفاظ في صورتي الحقيقة والمجاز لا يقع إلاّ على الأشخاص ، فوضعها أيضاً لم يقع إلاّ على الأشخاص . واستدلّ على القول المختار أيضاً بوجوه أُخر : منها : أنّه لولا الوضع للجزئيّات بل للمفاهيم الكلّية لصحّ استعمالها فيها ، لوجود أقوى سببي صحّة الاستعمال وهو الوضع ، والتالي باطل بشهادة استهجان العرف واستنكار الوجدان . ويزيّفه : أنّ الملازمة مشترك الورود بين القولين ، إذ لو كانت موضوعة للجزئيّات لصحّ استعمالها في المفاهيم الكلّية لوجود أحد سببي صحّة الاستعمال وهو العلاقة ، أعني علاقة الخصوص والعموم ، وكون الوضع أقوى السببين لا ينفي سببيّة العلاقة والتالي باطل ، لمكان الاستهجان والاستنكار المذكورين ، فدلّ ذلك على أنّ عدم صحّة الاستعمال فيها ليس لفقد المقتضي بل لوجود المانع ، وهو ما ذكر من الاستهجان ، فمجرّد بطلان اللازم لذلك لا يقضي بالوضع للجزئيّات . وأمّا ما قيل في دفع ما ذكرناه من المعارضة من أنّ العلاقة كثيراً مّا تتخلّف عن صحّة الاستعمال ، ولذا ترى إنّ " النخلة " لا يصحّ استعمالها في الحائط والجبل الطويلين مع وجود علاقة المشابهة ، و " الصيد " لا يصحّ استعماله في الشبكة ، ولا " الشبكة " في الصيد ، ولا أن يقال : " اسئل الإبريق " مع وجود علاقة المجاورة في