وحاصله : أنّه إن لم يكن مع الاختصاص المفروض تخصيص فهو المحال الأوّل ، لأنّه ترجّح بلا مرجّح ، وإن كان معه تخصيص فهو المحال الثاني ، لأنّ المفروض كون اللفظ الواحد متساوي النسبة إلى جميع المعاني ، والمعنى الواحد متساوي النسبة إلى جميع الألفاظ . وجوابه التحقيقي : منع الملازمة باختيار الشقّ الثاني وهو كون الاختصاص عن تخصيص ، ودعوى : أنّه تخصيص بلا مخصّص ، ممنوعة ، أمّا أوّلا : بالنقض بالأعلام وغيرها ممّا عرفت خروجها عن محلّ النزاع ، فإنّ الاختصاص المستند فيها إلى التخصيص ممّا لا إشكال ولا خلاف فيه ، فكلّ ما يخرج ذلك عن محذور الترجيح بلا مرجّح ، يوجب خروج محلّ الكلام عنه . وأمّا ثانياً : فلأنّ التخصيص يقتضي مرجّحاً ما ، وأمّا أنّه المناسبة الذاتيّة دون غيرها فلا ، لجواز أن يكون هناك وجوه واعتبارات أو حِكَم خفيّة أحاط بها علم الواضع الحكيم ، فاختار كلّ لفظ لمعناه لوجه واعتبار أو حكمة من الحِكَم ، وليس علينا تعيين ذلك ، كالوجوه المرعيّة في وضع الأعلام وغيرها من الأُمور الاصطلاحيّة . وقد يجاب عنه أيضاً : بمنع استحالة ترجيح أحد المتساويين من دون مرجّح إن أُريد به مجرّد الاختيار ، وإنّما المستحيل جعله راجحاً وهو حسن . وفي كلام غير واحد الجواب عنه بمنع الملازمة ، فإنّ إرادة الواضع المختار يصلح مخصّصاً من غير انضمام داعية إليها ، فمن الله كتخصيص خلق الحوادث بأوقاتها ، ومن الناس كتخصيص الأعلام بمسمّياتها . وردّ عليه : أنّ الاكتفاء بالإرادة في الترجيح التزام بالترجيح بلا مرجّح ، لأنّ الإرادة لكونها اختياريّة بنفسها تقتضي مرجّحاً ، وقد يذبّ عنه بالنسبة إلى إرادة الله بأنّها عبارة عن العلم بالأصلح ، وهو لا يقتضي مرجّحاً ، وبالنسبة إلى إرادة الناس بأن المرجّح خطور اللفظ وحده عمّا بين الألفاظ ، وسبق المعنى إلى الذهن عمّا بين المعاني .