ويرد على الأوّل : أنّ الالتزام بكون المرجّح هو العلم بالأصلح يقرب من كونه التزاماً بموجب الحجّة ، لجواز أن يستظهر الخصم بأن يدّعي أنّ الأصلحيّة المعلومة إنّما هي من جهة المناسبة الذاتيّة ، ومعها لا حاجة إلى تخصيص . وعلى الثاني : أنّ أخذ الحضور [1] والسبق مرجّحين لا يكاد يجدي ، لما يشاهد بالوجدان عند إرادة الوضع أن كثيراً مّا يخطر بالبال ألفاظ كثيرة ، أو يسبق إلى الذهن معاني عديدة ، ومع ذلك لا يختار إلاّ لفظ معيّن لمعنى معيّن ، وهذا ممّا يقتضي مرجّحاً ، فالوجه في الجواب هو ما قرّرناه ، ودونه تاليه . وقد يفرّع القول بالمناسبات الذاتيّة على ما أطبق عليه علماء العدد ، من إثبات الطبائع لحروف التهجّي على حدّ ما هو ثابت في العناصر ، فكما أنّ للعناصر طبائع يترتّب عليها آثار مختلفة ، ومن جهتها انقسمت إلى أنواع أربعة ، منها ما له طبيعة تقتضي الحرارة واليبوسة وهو النار ، ومنها ما له طبيعة تقتضي الحرارة والرطوبة وهو الهواء ، ومنها ما له طبيعة تقتضي البرودة والرطوبة وهو الماء ، ومنها ما له طبيعة تقتضي البرودة واليبوسة وهو الأرض ، فكذلك الحروف فإنّها لتضمّنها طبائع تترتّب عليها آثار مخصوصة تنقسم - على ما ذكر في بعض كتبهم - إلى كونها ناريّة وهوائيّة ومائيّة وأرضيّة . أمّا الناريّة فسبعة حروف يجمعها " أعهطحفش " وطبيعتها الحرارة واليبوسة كالنار ، وأمّا الهوائيّة فسبعة حروف يجمعها " قيصغظكض " وطبيعتها الحرارة والرطوبة كالهواء ، وأمّا المائيّة فسبعة أيضاً يجمعها " سلزتنود " وطبيعتها البرودة والرطوبة كالماء ، وأمّا الأرضيّة فسبعة أيضاً يجمعها " جمرنحبشذ " وطبيعتها البرودة واليبوسة كالأرض ، ولذلك تراها تترتّب عليها باعتبار صورها الأفراديّة والتركيبيّة على وجوهها المختلفة بوجوداتها النطقيّة والكتبيّة في العوالم العلويّة والسفليّة من غرائب الآثار وعجاب الأسرار ما لا يكاد يخفى على أُولي الأبصار ، كما يشهد به ما يشاهد بالنقل والتجارب والامتحانات من التأثير في الحروف