متين - وإن كان في إرادة الشيخ ( قدس سره ) لهذا المعنى نظر - . وما أورده عليه في النهاية : من أن حقيقة الاستعمال الذي منه الانشاء هو ايجاد وجود تنزيلي لفظي للمعنى ، وهذا المعنى ممكن على القول بوضعها لواقع الإرادة أيضا ، فلذا فالصحيح رده بأن الاستعمال لما كان بغرض الانتقال إلى المعنى ، والانتقال وجود ذهني للمعنى ، فالمعنى الموضوع له مطلقا لابد وأن يكون نفس الطبيعة حتى يمكن وجود ذهني له انتهى [1] . ففيه أن الذي نجده من أنفسنا أن الألفاظ موضوعة لوجود المعاني بوجوداتها العينية ، التي يترتب عليها به آثارها المطلوبة منها ، غاية الأمر أنها لوحظت في بعض الموارد - وهو ما إذا كان الموضوع له كليا - بنحو كلي ، ومع ذلك فلا ينطبق وليس الموضوع له إلا ما هو الوجود الحقيقي العيني لهذا المعنى الكلي ، وهذا من اقتدارات النفس التي أعطاها خالقها تبارك وتعالى ، والاستعمال - بحسب الوجدان - هو القاء هذه المعاني بآلية الألفاظ ، بحيث لا يرى المستعمل إلا المعاني الواقعية ، ولا يفهم المخاطب إلا إياها ، فما يراه المستعمل ويفهمه المخاطب هو الموضوع له والمستعمل فيه . والألفاظ والصور الذهنية أسباب وآلات ، وإن كان في الواقع ونفس الأمر وبنظرة ثانوية ليس في البين الا هذه الألفاظ وتلك الصور الذهنية ، إلا أنها في نظر المستعمل والمخاطب مرايا وأداة يحكم بها على الواقع وينال بها الواقع ، لا أن المستعمل ينزل اللفظ منزلة المعنى ، ولا أن المعنى يكون الطبيعة التي يقال بحضورها ووجودها الذهني . كما أن حقيقة الإنشاء إيجاد المعنى المنشأ بالوجود الخاص به بواسطة اللفظ ، فاللفظ الموضوع للانشاء يذكر ويراد به معناه الذي هو مصداق الإنشاء ، واللفظ الموضوع للمعنى المنشأ يذكر ويراد به هذا المعنى ، وبتعلق الإنشاء بهذا المعنى يحصل له وجود إذا تم شرائطه .
[1] نهاية الدراية : ج 1 ص 329 - 330 ، ط المطبعة العلمية .