فالحاصل أن الوجوب الغيري وإن كان حقيقته ما عرفت والاطلاق لا يثبته بهذا المعنى ، إلا أنه يفترق عن النفسي ، باختصاص وجوبه بما إذا وجب الغير ، بل بما إذا أتى بالغير - بناء على وجوب المقدمة الموصلة - وبوجوب إتيانه قبل الغير ، أو معه ، أو بعده ، على اختلاف أنحاء اعتبار المقدمات ، فالخصوصية الأولى : ترفع باطلاق الهيأة ، والأخيرة : باطلاق المادة ، وعليه فلا حاجة إلى التشبث هنا بأن العرف يرى الهيأة حجة ، ولو عند عدم وجوب الغير ، وإن كان بنفسه وجها متينا ، كما لا يخفى . ثم إنه قد يستشكل في الأخذ باطلاق الهيأة لأن مفادها معان آلية أو جزئية ، بل يحكم بوجوب الرجوع إلى اطلاق المادة لاثبات النفسية إن كان لها اطلاق - كما في التقريرات - لكنك عرفت حله ، والاشكال على رجوع القيد إلى المادة في الواجب المطلق والمشروط فلا نعيد . إلا أنه ( قدس سره ) في التقريرات استدل على بطلان القول بوضع الهيأة لمفهوم الطلب ، واثبات وضعها لواقع الطلب بما هو مذكور في الكفاية بألفاظه . وأنا أقول : إنه لو قيل بوضعها لمفهومه فمعنى هذا القول كما في سائر الموارد أن الموضوع لها هو الطلب ، بالحمل الأولي ، مضافا إلى اعتبار أنه ينشأ هذا المعنى بها ، وهذا المعنى والمفهوم كسائر المعاني لا يصدق إلا على واقعه ، وما هو بحمل الشايع طلب ، وباستعمال الهيأة في مقام انشاء هذا المعنى يوجد مصداق من واقع الطلب ، الذي هو التصدي لتحصيل المراد ، فكما أنه إذا قال : اطلب ، أو أنت حر ، استعمل المادة في معنى الطلب والحرية والهيأة بصدد ايجادها بالوجود الخاص بهما ، فكذلك الهيأة هاهنا بمنزلة أطلب الإنشائي يتحقق بها مصداق لواقع الطلب بانشائه ويتصف به المطلوب . نعم ، لو قلنا : بأن واقع الطلب الحقيقي هو الإرادة النفسية ، فالموضوع له الهيأة هو الطلب الانشائي ، أي واقعه لا مفهومه ، وبانشائه يتحقق مصداق من مصاديقه - وعليه مبنى ما في الكفاية - وما أفاده ( قدس سره ) في رد القول بوضعها لواقع الإرادة أمر