فالمتعلّم عالم لكنه جاهل بعلمه ، ثم يعلم بكونه عالماً ، ولا مانع من أن يكون الإنسان عالماً بشيء مع الجهل بوجود هذا العلم عنده ، إذ العلم في ذاته طريق إلى الواقع ، فإذا رأى الإنسان الواقع بسبب العلم لا يلتفت إلى علمه ولا ينظر إليه بالنظر الموضوعي . وعن بعض الأكابر : إن العلم كالنور ينظر به ولا ينظر إليه ، لكن فيه : عدم إمكان النظر إلى الأشياء به مع عدم النظر إليه . والتحقيق : إن ما ذكر لا يدفع إشكال الدّور عند المستعلم ، فإنه لا معنى للجهل في العلوم الإرتكازية ولو بالنسبة إلى العلم نفسه ، لكون العلم الإرتكازي علماً إلاّ أنه مغفول عنه وغير ملتفت إليه ، ومن الواضح أن هذا غير الجهل ، فالمحتاج إليه في العلم الإرتكازي هو الالتفات إليه لا تحصيله والوصول إليه . وهذا نظير ما ذهب إليه المتأخّرون من الفقهاء في مسألة النيّة - خلافاً للمحقق قدّس سرّه - من عدم وجوب الإرادة التفصيلية وأنّ الواجب هو الداعي ، ويكفي في وجوده أنه إنْ سئل عمّا يفعل أجاب بأنّي اغتسل مثلا ، وهذا الداعي هو الإرادة الإرتكازية التي يلتفت إليها بأقل مناسبة ، وما نحن فيه كذلك ، فإن العلم الإرتكازي بالوضع موجود ، وهو يكون المنشأ للإلتفات وارتفاع الغفلة عن المعنى الموضوع له . فالحق : أنه إنْ كان عالماً بالوضع فلا معنى لتحصيله بالتبادر ، بل اللاّزم هو الالتفات إلى علمه ، كما أن السائر على الطريق يعلم ارتكازاً بمقصده ، فلو غفل عن المقصد لا يسأل عنه ليعلم به ، بل لأنْ ترتفع عنه الغفلة . فالإشكال عند المستعلم لم يندفع . وهذا الإشكال غير وارد على التبادر عند أهل المحاورة العالمين بالوضع ، لوضوح التغاير بين الموقوف والموقوف عليه ، إذ التبادر عند أهل