اللّسان علّة لعلم الفرد الجاهل بالوضع ، فعلمه معلول للتبادر عندهم ، وليس التبادر عندهم معلولا لعلم الفرد . فالحق : إن التبادر حجّة عند أهل المحاورة فقط ، وعلى الجاهل بالمعنى أنْ يرجع إلى أهل اللّسان ، ومن انسباق المعنى إلى أذهانهم بدون الاستناد إلى قرينة ، يستكشف المعنى الحقيقي للّفظ ، ودليل اعتباره هو السيرة العقلائية . هذا ، وقد ذكر دام ظلّه « السيرة العقلائية » دليلا آخر على أن التبادر علامة الحقيقة ، وذكر أنّه عن طريق الاستدلال الأول - وهو كون التبادر أحد المعاليل - يستكشف نفس المعنى الحقيقي ، أما الاستدلال بالسيرة فيفيد قيام الحجّة العقلائية على المعنى الحقيقي . وكيف كان ، فلابدّ من إثبات هذه السيرة وبيان اعتبارها وحدّ دلالتها . ذكر بعضهم كالمحقّق الإصفهاني : أن التبادر عند أهل اللّسان علامة للجاهل بالمعنى ، وهو يفيد العلم بالمعنى الموضوع له ، لأن المفروض عدم وجود قرينة في البين ، فلا محالة يكون من الحيثيّة المكتسبة من العلقة الوضعيّة ، فهو - إذن - علامة تفيد القطع بالمعنى . وقد أورد عليه شيخنا بوجهين : أوّلا : إنه لا ريب في أن التبادر لدى العارف باللّسان العالم بالوضع ، ليس بحاك عن الوضع التعييني للّفظ ، فالذي يمكن تصوّره هو أن يكون عالماً بالوضع التعيّني الناشئ من كثرة الاستعمال ، فيستعمل اللّفظ في معناه بكثرة حتى يصل إلى حدّ صيرورة اللّفظ قالباً للمعنى . وعلى هذا ، فكيف يمكننا إحراز أنّ هذا العارف باللّسان كان انسباق المعنى إلى ذهنه غير ناشئ عن كثرة الاستعمال ؟ إن هذا الاحتمال لا طريق إلى نفيه .