المسلمين أيضا ليسوا بمكلَّفين بالتّكليف الفعلي إذا كانوا قاصرين بل مقصّرين أيضا كما هو الأظهر وإن كانوا معاقبين على ترك السّؤال وتحصيل العلم كما مرّ في المسئلة ( 64 ) وإن كان أصل التّكليف شاملا للمسلمين والكفّار قطعا كما سيظهر وكيف كان يمكن التّمسك لتكليفهم كالمسلمين بوجوه .
الأوّل إجماع الفقهاء على كونهم مكلَّفين بالفروع كما انّهم مكلَّفون بالأصول .
الثاني عمومات أدلَّة التّكاليف بالنّسبة إلى المسلمين والكفّار وعدم تخصيصها بالمسلمين .
الثّالث قوله تعالى في سورة البيّنة * ( وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكاةَ وذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) * فإنّه وإن ورد في شأن أهل الكتاب إلَّا انّه لا فرق ظاهرا بينهم وبين سائر الكفّار .
الرّابع قوله تعالى في سورة البقرة آية 38 * ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ ولا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ ولا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ولا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وتَكْتُمُوا الْحَقَّ وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) * فإنّها وإن دلَّت على وجوب إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة على أهل الكتاب ولكنّ الظَّاهر انّه لا فرق من حيث تكليف الكفّار بالفروع بين الصّلاة والزّكاة وسائر الأحكام كما لا فرق بين أهل الكتاب وسائر الكفّار .
الخامس أيضا في سورة البقرة آية 43 * ( واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ وإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ ) * فإنّها أيضا خطاب على بني إسرائيل فإنّها وقعت عقيب الآية السّابقة والمراد من الصّبر الصّيام على بعض التّفاسير والصّلوة هي الصّلوات الخمس على بعض التفاسير والصّلوات كلَّها فرضا ونفلا على بعضها .
إن قلت يمكن أن يراد في هذه الأخبار العبادات الواجبة أو المستحبّة في شريعة موسى لا شريعة محمّد صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .

212