لا مطلقا الثّاني أن حال الاستعمال عند تعدّد المستعمل فيه كحالها عند وحدته فكما أن الأصل في الثاني كونه على وجه الحقيقة فكذلك الأوّل وهذا الدّليل محكي عن الذريعة وهو الَّذي أوقع الجماعة في وهم خروج متحد المعنى عن محلّ النّزاع وجوابه منع الحكم في القيس عليه كما يظهر ممّا نقلناه عن العدّة مضافا إلى الفرق الفاحش بين متحد المعنى وبعض أقسام متعدد المعنى مثل ما لو علم بكون بعضها حقيقة وشكّ في الباقي مع ثبوت العلاقة المصحّحة للتجوّز فإنّ الوجوه المعول عليها في إثبات الوضع عند اتحاد المعنى لا يجري شيء منها في هذا القسم المتعدّد الثّالث أن غالب ما يجري عليه المحاورات استعمال الألفاظ في معانيها الحقيقية وهذه الغلبة حجّة إمّا لحجيّة الغلبة مطلقا في الألفاظ أو خصوص هذه الغلبة ولذا أجمع العلماء والعقلاء على حمل الاستعمال على الحقيقة عند الشكّ في المراد كما يأتي إن شاء الله تعالى توضيح ذلك أنّ ظاهر الاستعمال قاض بإرادة الموضوع له بعد العلم به والشكّ في إرادته وليس ذلك إلَّا لغلبة الاستعمالات الحقيقية في المحاورات لأنّ العلم بالموضوع له وعدمه لا دخل له في الظَّهور فلو علم المراد وشكّ في كونه الموضوع له حمل أيضا على الحقيقة للظَّهور المزبور النّاشئ من الغلبة وفيه أوّلا أنّ كون الموضوع له مرادا غير كون المراد موضوعا له والغلبة في الأوّل لا تستلزم الغلبة في الثاني فظهور الاستعمال في الأوّل لا يستلزم ظهوره في الثّاني مثلا إذا قلنا أنّ الإنسان غالبا صحيح جاز أن يكون الصّحيح غالبا غير إنسان فافهم فنقول إنّ المعنى الحقيقي غالبا يراد من اللَّفظ ولكن المراد من اللَّفظ لا يلزم أن يكون غالبا هو المعنى الحقيقي فإن قلت غلبة استعمال اللَّفظ في المعنى الحقيقي موجب لإلحاق كلّ جزئي مشكوك منها بالغالب فإذا وجد لفظ مستعمل في معنى وشكّ في كونه المعنى الحقيقي ألحقنا ذلك الاستعمال الجزئي بالغالب فيظنّ أنّه من تلك الاستعمالات والظنّ بذلك يستلزم الظنّ بكون ذلك المعنى حقيقيّا قلنا هذا إذا سلَّمنا الغلبة المزبورة في مطلق الاستعمالات وأمّا إذا خصّصناها بالاستعمالات المشكوكة المرادات لم يكن وجه للإلحاق معلوم المراد بتلك الاستعمالات المشكوكة المرادات فتدبّر وثانيا لو سلَّمنا حصول الظنّ فالتّعويل عليه مبني على اعتبار الظَّن المطلق في اللَّغات وقد عرفت ضعفه لا يقال الظَّن الحاصل من الاستعمال قطعي الاعتبار لأنّا نمنع اعتباره مطلقا إذ المسلَّم إنّما هو اعتبار الظنّ بالمراد وحاصله أنّ الاستعمال يفيد الظَّن بأمرين أحدهما الظَّن بالمراد مع الشكّ فيه والأخرى الظَّن بالوضع مع العلم بالمراد والقدر المعلوم من حجيّة الظنّ الحاصل من الاستعمال إنما هو الظنّ الأوّل دون الثّاني وإن كان الظنّ به حاصلا من موجب الظنّ بالأوّل حجّة القول الثّاني إنّ الاستعمال كما يكون على وجه الحقيقة كذلك يكون على وجه المجاز فهو أعمّ منها ولا دلالة للعام على الخاصّ والجواب عنه أنّه إن أريد عدم الدّلالة مطلقا ولو ظنّا فمكابرة واضحة لأنّك عرفت أنّه إذا استعمل اللَّفظ في معنى أو معنيين أو معان مستمرّا ودار الأمر بين كونها حقائق أو مجازات عن معاني مجهولة فلا جرم يفيد ذلك الظنّ بالأوّل بل ليس في مباحث الألفاظ ممّا يعول عليه من أفراد الغلبة مثل ذلك واحتمال سبق حقيقة مجهولة يندفع بحكم الفرض أو أصالة العدم حجّة القول الثالث إنّ أغلب اللَّغة مجازات فيلحق المشكوك بالغالب وفيه أنّه إن أريد أنّ الاستعمال المجازي أغلب من الحقيقي فغير سديد وإن أريد غلبة المعاني المجازية على المعاني الحقيقية نظرا إلى أنّ كلّ حقيقة لها مجازات فغير مفيد لأنّ الشكّ هنا في الاندراج والغلبة لا يجدي في مثل ذلك كما إذا علمنا أنّ أغلب أنواع الحيوان صامت وشكّ في اندراج فرد تحت أحد هذه الأنواع الصّامتة أو تحت النوع النّاطق فإنّه لا سبيل إلى الحكم باندراج المشكوك تحت أحد تلك الأنواع إلا إذا كان الموجود من أفراد الأنواع الصّامتة أغلب من أفراد النّاطق وقد عرفت أنّ غلبة الاستعمال المجازي على الحقيقي في الخارج ممنوع وقد يجاب أيضا بأنّ غلبة المعاني المجازية الثّانية مسلَّمة ولكنّها لا تجدي وغلبة الفعليّة ممنوعة والكلام فيها لا في الثّاني وهذا أوضح حجّة القول الرّابع وهو التّفصيل بين متّحد المعنى ومتعدّده وهو جريان ما تعلَّق به السيّد في الأوّل دون الثّاني لأنّ الاستعمال في المعاني المتعدّدة لا ظهور له في اشتراك اللَّفظ بينها بل قضية ندرة الاشتراك اختيار قول ابن جني فيما زاد على الواحد وبناء أهل اللَّسان على التعويل على الاستعمال في معرفة الوضع مختصّ أيضا بالأوّل إذ لم يعهد منهم التعلَّق بمجرّد الاستعمال لإثبات الاشتراك مضافا إلى أصالة عدم الوضع السّليم عن المعارض في الثّاني دون الأوّل لاستحالة المجاز بلا وضع فلا ضير في نهوض الوجوه المزبورة دليلا على الوضع حيث لا يعارضها أصالة العدم وعدم نهوضها دليلا عليه في صورة المعارضة أقول قد عرفت جريان الوجوه المذكورة في متّحد المعنى في كثير من صور متعدّد المعنى وأمّا حديث معارضتها بأصالة عدم الوضع في المتعدّد دون المتّحد ففيه مع عدم تماميّتها في بعض صور المتعدّد كما إذا كان المعنيان غير متناسبين فإنّ أصالة عدم الاشتراك حينئذ غير جارية للعلم بوضع اللَّفظ لهما أو لمعنيين آخرين مناسبين لهما أنّ ظاهر الاستعمال على تقدير اعتباره في إثبات الوضع لا يعارضه أصالة عدم الاشتراك كما لا يخفى وعلى تقدير عدم الاعتبار فلا وجه للتعويل عليه في مقام تعيين الموضوع له والفرق بين المقامين وإن أمكن لكن لا بدّ فيه من التماس دليل على ذلك إيقاظ تظهر الثمرة بين الأقوال في الاستعمالات المجرّدة عن قرينة المراد فإنّها على قول السيّد محمولة على ذلك المعنى الَّذي وجدنا استعماله فيها ومجملة على القول المشهور أعني التوقف كما