كثرتها إذ الظنّ الحاصل من الأقلّ أقوى واستدلّ عليه في المنية بأنّ الخبر إنما يكون حجة مع صدق الراوي والوسائط بينة وبين الرّسول صلى الله عليه وآله وكلّ واحد منهما يحتمل صدقه وكذبه فأحوالهما أربعة يكون الخبر حجّة في حالة واحدة وهو ما إذا كانا صادقين وإن كان اثنين كان الخبر حجّة في حال واحد من ثمانية وإن كان ثلاثة كان واحدا من ستة عشر وهكذا وليس حجة في باقي الأحوال وحينئذ يضعف الظنّ عند تعدد الوسائط وتكثرها حتى إنّه ربّما أدّى إلى زوال الظنّ بالكلَّية انتهى ومنها ما يتعلَّق بكيفية الرّواية ككون الخبر موقوفا على الرّاوي أو مرفوعا إلى المعصوم عليه السلام أو كونه مشتملا على ذكر سبب حدوث الحكم وعدمه أو كونه منقولا باللَّفظ أو بالمعنى أو الاعتضاد بحديث سابق وعدمه وتصديق الأصل المروي عنه وتكذيبه والإسناد والإرسال وغير ذلك ممّا ذكروه مثل تقدم الإسلام فإنه يقدّم على المتأخر وغير ذلك مما ذكروه وضبط بعض هذا القسم من المرجّح أعني السّندي بثلاثة أقسام أحدها ما يكون بحسب حال الرّاوي نفسه قال وهو يحصل من وجوه فذكر قريبا من عشرين وجها وثانيها ما يكون بحسب تزكية الراوي فذكر فيه وجهين أحدهما ما يعود إلى المزكَّى كمّا وكيفا وثانيهما ما يعود إلى كيفية التزكية من حيث كونها قولية أو عملية نصّا أو ظاهرا وثالثها ما يكون باعتبار كيفية الرّواية فذكر فيه بعض ما ذكرنا وزاد عليه والغرض من ذكر هذه الوجوه ليس هو الاعتماد عليها كيف وبعضها ممّا لا مساس له بقوّة السّند كالذّكورية والحرية على ما ذكره بعض ونفي عنه البأس في النهاية قياسا له بالشهادة بل لبيان حال العلماء واهتمامهم بالعمل بالترجيح حتّى عملوا بما ليس بمرجح إلَّا عند بعض الأنظار القاصرة محافظة لقاعدة الترجيح وحرصا على مراعاة المزايا معلومها ومظنونها ومحتملها بل وموهومها وقد ذكروا أشياء أخر طوينا الكلام عنها لعدم الفائدة في ذكرها على تقدير صحتها فضلا عن تقدير فسادها لأنّ وجوه التراجيح غير محصورة والغرض من إطالة الكلام والبسط كما صدر عن الأكثر إن كان هو الاستيفاء التام فهو غير ميسور مستحيل وإن كان هو إعطاء القاعدة في ضمن المثال فيحصل بأقلّ ممّا ذكروه فلا مجرى لقاعدة الميسور في المقام نعم هنا شيء مهمّ لم يتعرّضه أحد سوى شيخنا قدّس سرّه في الرّسالة فلا بدّ من التعرّض له وهو أن مبنى هذه الوجوه هل هو على إفادتها الظنّ أم لا والمصرّح به في عبارات القوم كلَّا وجلَّا هو الأوّل حيث ينادون بأعلى أصواتهم بذلك ويستدلَّون على وجوب تقديم صاحب المزيّة بأنّها تفيد الظنّ بخلاف فاقدها وبذلك صرّح أيضا صاحب المفاتيح واستشكل فيما لا يحصل منه الظنّ من وجوه التراجيح من حيث إنّ الأحوط الأخذ بما فيه المرجح ومن إطلاق أدلَّة التخيير وقوى ذلك بناء على عدم الدليل على الترجيح بالأمور التعبّدية في مقابل إطلاقات التخيير وقال شيخنا قدّس سرّه في الرّسالة بعد نقل كلامه ما لفظه وأنت خبير بأن جميع المرجحات المذكورة مفيدة للظَّن بالمعنى الثاني الذي ذكرنا وهو أنّه لو فرض القطع بكذب أحد الخبرين كان احتمال كذب المرجوح أرجح من صدقه وإذا لم يفرض العلم بكذب أحد الخبرين فليس من المرجحات ما يوجب الظن بكذب المرجوح ولو فرض شيء منها كان في نفسه موجبا للظنّ بكذب الآخر كان مسقطا له عن الحجية ومخرجا للمسألة عن مقام التعارض فيعدّ ذلك موهنا لا مرجحا إذ فرق واضح بين ما يوجب في نفسه مرجوحية الخبر وبين ما يوجب مرجوحيته بملاحظة التعارض وفرض عدم الاجتماع انتهى وحاصل ما أفاد هنا وقبل ذلك أنّ الظنّ بالواقع غير القرب منه أو البعد عن الخطإ ومعنى كون الشيء مرجحا هو كونه سببا للمعنى الثاني دون الأوّل وهذا المعنى موجود في ذي المزية سواء فرض العلم بمخالفة أحدهما للواقع أم لا بخلاف الظنّ بالواقع فإنّه مختصّ بالأوّل إذ لا ظنّ في الثاني وإلَّا كان المرجوح موهوما وبقريب من ذلك صرّح بعض الأفاضل قدّس سرّه من متأخري المتأخرين حيث بسط الكلام في بيان المرجحات السّندية فقال الثاني أن يكون راويه راجحا على راوي الآخر في صفة يغلب معها ظنّ الصّدق كالثقة والعدالة والورع والعلم والضّبط وحسن الاعتقاد إلى أن قال والوجه في الجميع أنّ ظن الصّدق بقول من كان راجحا في وصف يفيد ظن الصّدق أغلب منه بقول من كان مرجوحا فيه ثم قال الثالث أن يكون راويه راجحا على راوي الآخر في وصف يكون قوله معه أبعد من الخطإ كالحفظ والجزم بالرّواية والعلم والنقل بالعربيّة ومصاحبة المحدّثين والشهرة المعروفة إذ الغالب أنّهما لا يكونان إلَّا عن قرينة يكون قول صاحبها بها أبعد عن الخطإ عن غيره انتهى فحصل أنّ الظنّ بالواقع شيء والبعد عن الخطإ شيء آخر واكتفي بأحدهما ومآله إلى ما صرّح به شيخنا قدّس سرّه وحاصله أنّ بناء الترجيح ليس على الظَّن خاصة بل يكفي فيه البعد عن الخطإ متى دار الأمر بين تخطئة أحدهما قلت ويشكل ذلك بعدم الدليل على الخروج عن أصالة التخيير أو أصالة التساقط بمجرد وصف تعبّدا من دون إفادته الظنّ لقصور الإجماعات والأخبار عن ذلك أمّا الإجماع فواضح لتصريح الكل بأن الاعتماد على وجوه التراجيح إنّما هو لأجل إفادتها الظن فراجع كلماتهم ولاحظ وقد عرفت كلام العميدي قدّس سرّه في المنية وعرفت تصريحه بذلك وغيره أيضا مثل المحقق القمّي رحمه الله مصرّح بذلك فكيف يدعى شمول كلامهم لما لا يفيد الظنّ رأسا وأمّا الأخبار فلما عرفت من [ المباحث ] المنافاة الواردة