الشرط المتأخّر وإلا فالبحث فيه غامض وميدان الكلام هنا طويل واسع لأن المسائل الَّتي زعمها من الشرط المتأخر مثل وجوب الغسل للصّوم في اللَّيل مع أنّه مشروط بالفجر ووجوب الزكاة في أول الشهر الثاني عشر مع أنّه مشروط ببقاء النصاب إلى آخره وصحّة صوم المستحاضة مع كونه مشروط بغسل اللَّيلة الآتية ووجوب الصّوم على المرأة مع كونه مشروطا بعدم حيضها في آخر النهار وصحّة الفضولي مع اشتراطه بلحوق الإجازة وغير ذلك مما ظاهره كون المتأخر شرطا لا كون الشرط متأخرا يستحيله العقل كلَّها مؤول بما أشرنا إلى شرذمة منها في مقدّمة الواجب وحيث ما لا يتصوّر فيه تأويل يكون الشرط حينئذ هو نفس التقدير أعني كون العقل أو التكليف بحيث يتعقبه الشرط فيكون الشرط مقارنا أيضا فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ تصحيح الموسّع مع المزاحمة مع المضيق أحد أمرين إمّا نفي وجوب المقدّمة أو تجويز اجتماع الأمر والنهي وأحدهما يكفي في تصحيح الضدّ وإنّما الفرق بينهما في مسألة الاغتراف فالأوّل يصحّحها أيضا دون الثّاني لأنّ اجتماع الأمر والنهي فيها آمري محال غير مبني على مسألة اجتماع الأمر والنهي فإنّه مأمور ولذلك قال بعضهم كما عن كاشف الغطاء بصحّة الضد وفساد الوضوء من الآنية المغصوبة فما اختاره بعض الأفاضل من الصّحة في موضعين تفريعا لهما على الوجوب التعليقي الترتيبي بديهي الفساد كما سبق مفصّلا في مقدّمة الواجب نعم هنا كلام آخر أوردناه هناك أيضا إن تم صحّت المسألتان وهو أن المكلَّف لما كان عازما وبانيا على الإتيان بالمقدّمة المفروضة لم يتعلَّق بها الوجوب المقدّمي وكذا كلّ مقدّمة يكون الداعي إلى فعلها موجودا في المكلَّف من قبل نفسه إذ الأمر بهذه المقدّمة لا فائدة فيه بل الأمر كذلك في الواجبات النفسية الَّتي داعيها موجود قبل الأمر فإن الإلزام بها ليس له فائدة التكليف لكنه غير تام إذ الوجوب التبعي الإجمالي لازم عقليّ بوجوب ذي المقدّمة قهرا بحيث لا يسع للآمر الملتفت نفيه والَّذي يلاحظ فيه فائدة التكليف وهو البعث على الفعل هو الوجوب الأصلي الناشئ عن خطاب تفصيلي كقوله تعالى اغسلوا فهذا هو الَّذي يمكن القول بعدم فائدته مع وجود الدّاعي قبل الأمر وأمّا الوجوب التبعي المعلولي فلا ينفك عن وجوب ذيها فكيف ينتفي الوجوب المقدّمي للمقدّمة المفروضة وهنا مسلك آخر لنفي الوجوب المقدّمي عن ترك الضدّ سلكه صاحب المعالم يأتي التعرض له في الأدلَّة وسبق الإشارة إليه في مقدّمة الواجب وهو إن صحّ رجع إلى إبطال الأصل أعني الاقتضاء دون الفرع هذا حال الجواب الحلي عن الإشكالات المذكورة وأمّا النقض بالمضيقين فليس له وجه ظاهر لأنّه إن أراد الأمر بهما على التعيين فلم يقل ولا يقول به أحد وإن أراد الأمر بهما على وجه التخيير فلا مساس له بالمقام لأن وجوب الضدّين على سبيل التخيير مما لا غائلة فيه وإنما الكلام في اجتماع وجوب أحدهما عينا مع الأمر بالآخر فهذا النقض بظاهره غير واضح ولعلّ نظره إلى التقريب الَّذي بيناه فراجع وتأمّل نعم النقض بمناسك منى ومناسك العمرة وارد وجوابه أنّه لا يدلّ على فساد الثمرة بناء على الاقتضاء لأنّه أعمّ منه ومن فساد المبنى وهو الاقتضاء إذ على القول بعدمه قد عرفت أنّه لا إشكال في صحّة الموسّع مطلقا حتى إشكال اجتماع الأمر والنهي في ترك المضيق لأنّه مبني على كون ترك الضدّ مقدّمة لفعل الآخر فمن ينكره لا يرد عليه النقض أيضا كما لا يخفى والحاصل أنّ النقض المذكور لا ينفع لمن قال بصحّة الموسّع على القول بالاقتضاء لأنّه أعمّ فلأن يدل على عدم الاقتضاء أولى من أن يدلّ عليها على القول بالاقتضاء والكلام في صحّتها لا في صحة المبنى وهنا نقض آخر التفت إليه كاشف الغطاء وهو أن الفقهاء حكموا بمعذورية الجاهل بالمسألة في الجهر والإخفات والقصر والإتمام وهو لا يتم إلا بالتزام صحّة الأمر بالثاني على فرض المعصية وهو أقوى من الإشكال في صحّة الموسّع لما عرفت أنّ حكم المسألة هناك ينحلّ إلى أوامر ثلاثة وجوب هذا ووجوب هذا وتقديم هذا على هذا وهنا ليس إلا أمر واحد فإن كان متعلَّقا بالإخفات فكيف يعاقب على عدم الجهر مع التقصير ومن ذلك يظهر أنّ إجراء الجواب الحلَّي المذكور في كلام المحقق الثاني الَّذي اعترفنا بصحّته في جاهل المسألتين خطأ بين إذ لا ربط له به أصلا كما لا يخفى على متدرّب متأمّل ذي فطانة فلا بدّ من توجيه آخر وقد ذكر في محلَّه وجوه اندفاعه الَّتي منها منع العقاب على الجاهل ولو مع التقصير إذ الدّليل القطعي عليه مفقود والظني المستفاد من ظاهر العلماء غير مفيد وليس هذا من التصويب الباطل المحال عقلا إذ هو أن يكون العلم والجهل مؤثرين في تقرر الحكم الواقعي عند اللَّه في الواقع فإنه محال لما فيه من الدّور البين والحكم بمعذورية الجاهل في المسألتين وضعا وتكليفا غير مبني عليه بل على كونهما مغيرين للحكم الواقعي بأن يكون للواقعة في نفسها مع قطع النظر عن العلم والجهل حكم واقعي ويكون الجهل به مغيرا له كما يقوله السّيد المرتضى قدّس سره في جواب أخيه في جواب بعض المسائل أنّ الحكم الشرعي يتغير بالصّفات والجهات والعلم والجهل من الصّفات المغيرة ومنها منع كون الإخفات في حال الجهل مجزيا بل مسقطا عن الواجب وهو وإن كان مخالفا لظاهر الأدلَّة إلا أنّ الظاهر يؤول إذا عارضه دليل العقل فقد تلخّص من جميع ما ذكرنا أن صحة الموسّع مع مزاحمة المضيق يجوز عقلا بارتكاب أحد أمرين إمّا منع كون ترك الضدّ مقدّمة وإمّا تجويز اجتماع الأمر والنهي وإلا فلا وأنّ تصحيح عمل الجاهل في المسألتين غير ممكن بهما