لما كان مناقضا كما صرّح بعين العبارة في الوافية ووافقه كاشف الغطاء إلَّا أنّه غير العبارة فقال أيّ مانع من أن يقول الآمر المطاع إذا عزمت على معصيتي فافعل كذا فجعل شرط الأمر بالموسع العزم على معصية المضيق لا نفس المعصية ولو ساق التعبير مساق تعبير المحقق الثاني وصاحب الوافية لكان أحسن إذ العزم على المعصية لا يجدي في تصحيح الأمر بالضدّ ضرورة مساواة تقدير العزم وتقدير عدمه في امتناع الأمر بالموسّع مع المضيق إذ مع العزم على المعصية مأمور أيضا بالمضيق ومع عدمه لا يصحّ الأمر بالموسّع وإنما يتعلَّق الأمر به على تقدير لا يتصوّر فيه الأمر بالمضيق وهو تقدير نفس المعصية لا تقدير عزمها فما في كشف الغطاء فاسد أو مؤول إلى ما ذكروا من اشتراط الأمر بالموسّع بمعصية المضيق وهذا هو المراد والسّر في التفسير بالعزم هو أن العازم للشيء محرز له فالتقدير عنده حاصل فالأمر بالموسّع بزعمه متوجّه وأمّا الإشكال الثالث وهو ارتفاع الوجوب مع انحصار المقدّمة في الحرام فلأن المحال إنما هو الطَّلب المطلق لا مطلق الطَّلب لأن سقوط الطَّلب عند الانحصار في المحرم إنّما هو لكونه تكليفا بما لا يطاق وإنما يلزم التكليف بما لا يطاق إذا كان مطلقا لا على تقدير المعصية وفرضها أمّا على تقديرها فلا ولذا قال بعض الأفاضل من المؤمنين بهذا الأصل أي الوجوب المشروط بالمعصية بصحّة الوضوء مع انحصار الآنية في المغصوبة أو الذّهب والفضة في قبال كلّ العلماء حيث يقولون بالفساد وهو منظر وجيه لا يوجد فيه قبح لو لا الإشكال الَّذي قلنا إنه غير مندفع وتوضيحه أن الأمر بالوضوء مع الانحصار على تقدير المعصية بالاغتراف من الآنية لا مانع منه عقلا وإطلاق الأمر بالوضوء لا مخصص له فإذا أحرز المكلَّف هذا التقدير بسوء اختياره وعلم من حاله أنّه يعصي وتوضأ صحّ إذ لا أثر للنهي في العمل المفروض صدوره ونزيد توضيحه أن ارتفاع الأمر عند انحصار المقدّمة في الحرام إنما هو للزوم التكليف بما لا يطاق وهو على الوجه المذكور غير لازم إذ لا تنافي بين الأمر بالشيء على تقدير شيء والنهي عن ذلك الشيء مطلقا أي لا على تقدير وقال المحقق الثاني بعد تصحيح الصّلاة مع الاشتغال بالدّين أنه من غوامض التحقيقات وهو كذلك فلا ينبغي لأهل البصائر المسارعة إلى الردّ من دون غور وخوض في عمقه وأمّا من لا بصيرة له فهو معذور وأمّا الإشكال الرابع فقد ظهر اندفاعه بما اندفع به الإشكالان الأولان وأمّا الإشكال الخامس فهو غير مندفع وقد أجاب عنه بعض المحققين بأنّ ترك المضيق مقدّمة وجوبية حيث إنه شرط لوجوب الموسّع وإن كان مقدّمة لوجوده أيضا ومقدّمة الوجوب غير واجبة مطلقا بالاتفاق ولا ينافي كونها شرطا للوجوب كونها متأخرة عنه لأنّ الشرط المتأخر جائز في الشرع فإذا جاز ذلك وراعينا ما هو المقرر عندهم من عدم وجوب شرائط الوجوب وإن كانت مقدّمة للوجود لزم القول بتعلَّق الأمر الموسّع قبل ترك الإزالة من دون سراية الوجوب المقدّمي إليه ولعمري إنّ هذا الكلام من مثله من الغرائب وفي شأنه المثل إنّ الجواد قد يكبو وذلك لأنّ شرائط الوجوب إنما لا يتصف بالوجوب إذا كانت سابقة عليه وهو محط أنظار القوم في الحكم بعدم وجوب مقدّمة الوجوب مطلقا ولو كانت مقدّمة للوجود وهو الَّذي يقضي به بداهة العقل لاستحالة وجود المعلول قبل العلَّة والوجوب المقدّمي معلولي لوجوب ذيها فقبل وجوبه كيف يجب مقدّمته وأمّا إذا كانت متأخرة عن الوجوب وصحّحنا الشرط المتأخر بأحد الوجوه المذكورة في بابه فلا محيص عن القول بوجوبها أيضا وإن كانت متأخرة إذ العبرة بجريان الدليل القاضي بعدم الوجوب وهو لزوم تقدّم المعلول على العلَّة وعدمه وهو كما ترى لا يأتي في الشروط المتأخرة ضرورة فرض تحقق وجوب الواجب الَّذي هو علَّة لوجوب المقدّمة قبل وجودها فكيف يتخلَّف المعلول عن العلَّة فكما أن الوجوب في صورة التقدّم يستلزم تقدّم المعلول على العلَّة فكذا عدم الوجوب في صورة المتأخر مع كونه مقدّمة للوجوب أيضا يستلزم تخلَّف المعلول عن العلَّة وكلاهما في الاستحالة بمكان واحد فالحق ما أفاده السيّد الصّدر قدّس سره حيث إنّه بعد الاستدلال على صحة الموسّع مماشاة للماتن مستشعر اعتراضا عليه يقرب من الإشكال الخامس وهو أنّ فعل الموسّع موقوف على الصارف عن المضيق فيجتمع فيه الوجوب والتحريم فقال إنّ هذا الإشكال لا حاسم له إلا بإنكار وجوب المقدّمة أو بتجويز اجتماع الأمر والنهي وهو في غاية السّداد والجودة فإن قلت الإشكال الرابع والخامس متقاربان بل متحدان وهو لزوم اجتماع الأمر والنهي في الموسّع تارة وفي المضيق أخرى فكيف ارتفع في الموسّع على الوجه المقرر ولا يرتفع في طرف المضيق قلت الفرق بينهما وإن كان دقيقا إلَّا أنه حقيق بالقبول لأنّ الأمر في الموسّع نفسي والنهي غيري ومآله إلى وجوب تركه مقدّمة للمضيق ووجوب فعله لكونه عبادة مأمورا بها ولا منافاة بين وجوب ترك الشيء مقدّمة لشيء ووجوب فعله على تقدير عدم الإتيان بذي المقدّمة وأمّا المضيق فهو على عكس الموسع لأن وجوبه غيري وحرمته نفسي وحرمة الشيء نفسا لا يجامع وجوب فعله مطلقا ولو مقدمة لشيء آخر إذ ليس هنا تقدير مصحّح للأمر بحيث ترتفع المنافاة بينه وبين النهي فالوجه المصحّح للاجتماع مختصّ بالنهي الغيري والأمر النفسي فلا يتصوّر في العكس فافهم واغتنم واجعله من هدانا ثم إن كلامنا مع المحقق المذكور مبني على المماشاة معه في