استحالة الأمر بفعلين في آن واحد فمع الأمر بالمضيق كيف يعقل الأمر بالموسّع حتى يكون صحيحا على فرض ترك المضيق عصيانا وثالثها أن الواجب إذا كان له مقدّمة محرمة منحصرة سقط عنه الوجوب وترك المضيق مقدّمة محرمة للموسّع فكيف يكون باقيا على صفة الوجوب في زمان المضيق حتى يكون صحيحا ورابعها أنّه يلزم اجتماع الأمر والنهي في فعل الموسّع لأنّ تركه مقدمة للامتثال بالمضيق فيكون واجبا وفعله حراما مع كونه واجبا خامسها ذلك في ترك المضيق لأن ترك الواجب حرام مع أنّ تركه مقدّمة لفعل واجب آخر وهو الموسّع فيكون واجبا فعلى القائل بالصّحة التّفصي عن جميع هذه القواعد الَّتي يكفي بعضها في الفساد وعلى القول بعدم الاقتضاء تندفع جميع الإشكالات إلَّا الإشكال الثاني وهو استحالة الأمر بضدّين في آن واحد لكنّه لو اندفع اندفع ما عداه أيضا إلَّا الإشكال الأخير كما تعرفه فإنّه وارد لا دافع له سواء صحّحنا الأمر بالضدّين والجمع بين النّهي الغيري والأمر النفسي أم لا فلا بدّ على فرض اندفاع الإشكالين من دفع الإشكال الأخير أيضا وقد التفت إلى ذلك بعض المحققين وتصدّى له وتبعه غيره فلنذكر أولا ما ذكروه توجيها للأمر بالضدّين وتعلَّق الأمر والنّهي بشيء واحد في زمان واحد وقد سبق منا تفصيل الكلام في هذا المقام في مقدّمات مقدّمة الواجب عند الفرق بين الواجب المطلق والواجب المشروط إلَّا أنّه لا بأس بإعادته هنا مع الزيادة استكثارا لتوضيح الحال في ما اضطربت فيه الأقوال وتغيرت فيه الأحوال فنقول صرّح العلَّامة في محكي دين القواعد بأن من كان عليه دين أو خمس أو زكاة أو شيء من الحقوق المالية لا يصحّ صلاته في سعة الوقت وقال المحقق الثاني في شرحه بعدم الفساد مستدلا عليه بأن سبب الفساد إن كان هو النهي المتوجه إليهما من الأمر بالأداء فهو ممنوع لأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاص وإن كان هو امتناع تعلَّق الأمر بفعلين متضادين في آن واحد وحيث كان الأمر بالأداء مفروضا لم يكن بالصّلاة أمر فتفسد ففيه أوّلا أنه منقوض بمناسك منى فإن الترتيب فيها واجب ولكن لو عصى وخالف الترتيب صح وكذا الأمر بالمضيقين المتساويين في الأهمّية وثانيا بالحلّ وهو أنّ مآل المسألة يرجع إلى أوامر ثلاثة وجوب هذا ووجوب هذا ووجوب تقديم أحدهما على الآخر فالموسّع أيضا مأمور به ووجوب تقديم الآخر عليه لا يقتضي اشتراط صحته بالتأخر وهو خروجه عن المطلوبية وعن إطلاق دليله رأسا حتى يكون فاسدا ولا علينا نقل كلامه على طوله لأنّه النهر الأعظم الَّذي يمتلئ منه العماد وتتروى منه أودية الرّشاد قال قدّس سره في شرح قول العلَّامة في القواعد ولا يصحّ صلاته في أول وقتها إلى آخره لأن الأمر بالأداء على الفور يقتضي النهي عن ضدّه والنهي في العبادة يقتضي الفساد وكلّ من المقدّمتين في الأصول وفي الأولى كلام فإن الَّذي يقتضيه الأمر بالأداء النهي عنه هو ترك الأداء وهو الضدّ العام الَّذي يسمّيه أهل النظر النقيض أمّا ضدّ الخاص كالصّلاة مثلا فلا فإن قيل الضدّ العام إنّما يتقوم بالأضداد الخاصّة فيكون الضدّ الخاص أيضا منهيّا عنه قلنا المطلوب في النّهي هو الكف عن الشيء والكف عن الأمر العام غير متوقف على شيء من الأمور الخاصة حتى يكون شيء منها متعلَّق النهي لإمكان الكف عن الأمر الكلي من حيث هو هو وليس ذلك كالأمر بالكلّ لأنّ إيجاد الكلي بدون أحد جزئياته ممتنع على أن المحقق بين مذاق الأصوليين أن الأمر بالكلَّي ليس أمرا بشيء من جزئياته وإن توقف عليها من باب المقدمة لأن وجوبه حينئذ من باب المقدّمة لا من نفس الأمر فإن قيل يمكن الاحتجاج بأنّ أداء الدين مأمور به على الفور ولا يتم إلا بترك العبادة الموسعة وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وما وجب تركه ففعله منهيّ عنه فتثبت الصغرى قلنا في قوله وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب بحت فإنّه إن أريد بذلك العموم منع لأنّ الواجب الموسّع لم يدلّ دليل على أن تركه يكون مقدّمة لواجب آخر مضيق وظاهر الأوامر الواردة به الإطلاق في جميع وقته إلا ما أخرجه دليل وإن أريد به ما سوى ترك الواجب فهو حق إلا أنّ المتنازع فيه من قبيل ما كان فيه ترك الواجب هو المقدمة فإن قيل وجوب القضاء على الفور ينافي وجوب الصّلاة في الوقت الموسع لأنه حين وجوب الصّلاة إذا تحقق وجوب القضاء على الفور يلزم تكليف ما لا يطاق وهو باطل وإن لم يبق خرج الواجب عمّا ثبت له من صفة الوجوب الفوري قلنا لا نسلَّم لزوم تكليف ما لا يطاق إذ لا يمتنع أن يقول الشارع أوجبت عليك كلّ من الأمرين لكن أحدهما موسّع والآخر مضيق فإن قدمت المضيق فقد امتثلت وسلمت من الإثم وإن قدمت الموسّع فقد امتثلت وأثمت بالمخالفة في التقديم والحاصل أن الأمر يرجع إلى وجوب التقديم وكونه غير شرط في الصّحة والامتثال مع انتقاضه بتضيق الوقت فإنه إن بقي الوجوب لزم ما سبق وإن خرج لزم خروج الواجب عن صفة الوجوب مع أنّه لا دليل على الترجيح إذ هما واجبان مضيقان قد تعارضا فلا بدّ من خروج أحدهما عن صفة الوجوب لئلا يلزم المحذور والدلائل تدلّ على خلافه ومع تسليمه فلا دليل يقتضي خروج واحد بعينه من الصّلاة في آخر الوقت وقضاء الحق المضيق فالحكم بصحّة الصّلاة في آخر الوقت أيضا باطل لأنّه يستلزم الترجيح بلا مرجح ولانتقاضه بمناسك يوم النحر فإنّ الترتيب فيها واجب ولو خالف أجزأت عن الواجب الَّذي في الذّمة وإنما تجزي إن كانت واجبة مع عدم الترتيب لامتناع أجزاء غير الواجب عن الواجب وإنّما يعقل الوجوب على التقديرين