إلى الآخر لئلا يلزم المحذور فالتحقيق في الرّد هو ما ذكرنا من عدم الملازمة بين عدم التحريم والإذن في الفعل لإمكان عدم جواز الإذن لمحذور آخر كالعبثية والسّفاهة والَّذي ينافي حرمة العلَّة هو الثاني دون الأول حسبما أوضحناه آنفا في المسألة السّابقة ولقد أجاد السّلطان قدّس سره حيث قبل الإباحة في الإيراد بالأصليّة ثم أمر بالتأمّل مشيرا إلى احتمال انتفاء التّحريم في كلام صاحب المعالم لا الترخيص في الفعل وحينئذ فلا يرد عليه ما أورده وإنّما يرد عليه ما أوردنا فراجع وتأمّل المقام الثّاني في جواز اختلاف المتلازمين في الحكم بعد عدم لزوم اشتراكهما فيه فعن شريف العلماء قدّس سره جواز الاختلاف فيما إذا كان الامتثال بكلا الحكمين مع الاختلاف ممكنا وعدم الجواز فيما إذا لم يكن ممكنا والفروض بعد إسقاط المكرّرات ترتقي إلى عشرة ستة منها يمكن الامتثال بكلا الحكمين فيها وهي الاستحباب مع الوجوب والكراهة مع الحرام والإباحة مع ما عداها فإذا كان أحدهما مباحا والآخر مستحبّا أو مكروها أو واجبا أو حراما أو كان مستحبّا والآخر واجبا أو كان مكروها والآخر حراما كان ذلك جائزا وأربعة منها لا يمكن الامتثال بالحكمين فيها وذلك كالوجوب مع الحرمة أو الكراهة والاستحباب مع أحدهما فإذا كان أحد المتلازمين واجبا أو مستحبّا لم يجز أن يكون الآخر مكروها أو حراما لعدم إمكان الامتثال فلا يجوز للزوم التكليف بما لا يطاق وأمّا صور الجواز فليس كذلك لأنّ المانع إمّا لزوم اجتماع الضدّين فهو فاسد لأنّ الممتنع هو اجتماعهما في محلّ واحد لا في محلَّين مختلفين وإمّا لزوم التكليف بما لا يطاق وهو أيضا مفقود هنا فلا مانع من اختلافهما في الحكم والتحقيق عندنا عدم الجواز مطلقا لما ذكرنا في المقام الأوّل من أن تحريم العلَّة أو إيجابها لا يجامع إباحة المعلول والإذن في فعله للزوم السفه والعبث فإنّ ذلك يأتي في جميع الأقسام المذكورة المجوّزة لاتحاد المناط وهو أن إثبات حكم الموضوع عند اتصاف لازمه بما ينافي ذلك الحكم سفه لا يصدر من العاقل فضلا عن الحكيم كما أوضحناه في المقام الأوّل ولقد أغرب بعض النّاظرين في التفصيل المذكور حيث وافقه على الجواز في الصّور السّت وترقى فقال به في الأربعة الممنوعة أيضا إذا كان سبب الاجتماع سوء اختيار المكلَّف كما لو ترك حراما واشتغل بحرام آخر كمن ترك الشهادة الواجبة واشتغل بالغيبة فيجتمع في حقه حكم المتلازمين وجوب ترك الحرام وحرمة فعل الضدّ ولم يقنع بذلك فترقى وقال بجوازه ولو قلنا بعدم جواز اجتماع الأمر والنّهي لأنّ اجتماعهما إنّما هو في موضوع واحد وهنا في موضوعين وظهور فساده يغني عن بيانه بل الأصحّ هنا عدم الجواز ولو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنّهي لأنّ الاجتماع هنا آمريّ وهناك مأموري وعليك بالتأمّل حتّى تفهم وقد تفطَّن إلى ما ذكرناه من لزوم العبث في الفصول وأجاب عنه بما هو غير ثابت في العقول فإنّه قال بعد التّصريح بجواز اختلاف المتلازمين في الحكم ما لفظه لا يقال إباحة الفعل عند تحريم لازمه سفه لا يترتب عليه فائدة فلا يقع من الحكيم وحينئذ فلا بدّ إمّا من القول بتسري حكم لازمه إليه أو يلتزم بخلوّه من جميع الأحكام نظرا إلى صيرورته بالنسبة إلى تكليفه كالممتنع فلا يصلح لتعلَّق حكم به لأنا نقول إن فعل ملزوم الحرام وتركه عند عدم توقفه عليه متساويان بالنّسبة إلى نفسه وهو ظاهر وكذا بالنسبة إلى لازمه إذ لا توقف له عليه ولا نعني بالمباح إلَّا ذلك ويترتب عليه ثمرته من عدم ترتب مدح ولا ذم عليه بالاعتبارين وخلو فعل مقدور عن الأحكام الخمسة غير معقول ودعوى كونه كالممتنع ممنوعة كيف وجواز تعلق التّكليف به حينئذ ضروري انتهى وأنت خبير بأنّ ما تكلَّفه في الجواب غير سديد لابتنائه على مقدّمتين غير مسلَّمتين أحدهما كون المباح عبارة عمّا تساوى فعله وتركه وهو بعيد عن الصّواب لأنّ الحكم ليس إلَّا إنشاء قائما بالحاكم ومجرّد تساوي طرفي الفعل في الرجحان ليس من الحكم في شيء وإلَّا لاتّصف فعل الصّبيان والمجانين والبهائم بالإباحة الشرعيّة وهو كما ترى فقد اعترف بأنّ إيجاب أحد المتلازمين أو تحريمه لا يجامع الترخيص والإذن في الآخر وهو عين التحقيق الَّذي اخترناه واجتماعهما مع نفي الحرج والبأس ليس اختلافا في الحكم فكيف يجوز الاختلاف والثّانية عدم جواز خلو الفعل عن شيء من الأحكام الخمسة وهي أيضا واضحة الفساد ودعوى القطع بذلك ممّا لا ينبغي صدوره من مثله إذ لا سبيل إلى القطع بذلك لا من جانب العقل ولا من جانب النقل وأيّ دليل يفيد القطع أمّا العقل فلأنه لا يستقلّ بثبوت الحكم بكلّ واقعة وأمّا النّقل فقد ورد أنّه ما من واقعة إلَّا ولها حكم مفرد عند الله إلَّا أنّ اعتماد مثله على مثله في أمثال المسألة كما ترى وإذا عرفت ما ذكرناه في المقامين عرفت أنّ الاستدلال بقاعدة التلازم لمذهب الكعبي يمكن بوجهين أحدهما أنّ ترك الحرام لا ينفك عن فعل من الأفعال وهو واجب فيكون ذلك أيضا واجبا للتلازم والثّاني أنّ ترك الحرام ملازم لفعل من الأفعال وهو واجب ومع وجوبه لا يمكن أن يكون الفعل مباحا لامتناع اختلاف المتلازمين في الحكم والجواب عن الأوّل ما عرفت من عدم لزوم اشتراك المتلازمين في الحكم ومنع سراية حكم أحدهما إلى الآخر إلَّا باعتبار العلَّية الراجعة إلى الدليل الأوّل المردود بما سبق وأمّا عن الثّاني فقد أجاب بعض بجواز اختلافهما في الحكم وقد عرفت ما فيه وقد يجاب بأن الملازمة اتفاقية وهذا أيضا ضعيف إذ الملازمة الملحوظة في المقام على تقدير التسليم ناشئة