صرفها بحكم العقل القاطع إمّا إلى حرمة مقدّماتها وأسبابها الَّتي يتولَّد منها أو إلى وجوب معالجتها بالرّياضات والمجاهدات النّفسانية أو بعض ما قرر بعلاجها في الأخبار وعلم الأخلاق أو إلى حرمة ما يجري على بعضها من الآثار كما يشهد به بعض الأخبار ففي الخبر ثلاثة لا يسلم منها أحد الطَّيرة والحسد والظنّ قيل فما نصنع قال عليه السلام إذا تطيرت فامض وإذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق والمراد بالشّيء استعمال الحسد وبنحو ما ذكرنا يوجه وجوب العقائد الحقة والمعارف الدّينية أيضا كمعرفة اللَّه تعالى وصفاته ومعرفة النبي صلى الله عليه وآله ومعرفة الأئمة عليهم السلام فإن وجوبها راجع إلى وجوب تحصيلها بالنّظر إلى الآيات والمعجزات الَّتي يتولد منها تلك المعارف وإلا فهي بنفسها غير قابلة لتعلَّق التكليف بها كما لا يخفى وممّا ذكرنا ظهر انحصار المثال لما نحن فيه في الأفعال التوليدية كقتل النفس المتولد من جزّ الرّقبة والعتق الحاصل من الصّيغة وهكذا إلى سائر الأمور الَّتي لها أسباب اختيارية مع كونها أيضا من مقولة الأفعال ومنه الإحراق المتولد من اشتعال النّار ولا يتصور في غير ذلك وقد يمثل له بالعزم والإرادة فإنّهما علَّتان لصدور الأفعال الاختياريّة ومقارنته معها وفيه بعد تسليم كون الإرادة من مقولة الفعل وقد سبق في مقدمة الواجب وموضع بطلان ذلك بما لا مزيد عليه أنّها أيضا لحصول سبب الفعل توليدا كالإحراق ولا ينافي اتصاف الفعل بالاختيار ضرورة انبعاثها من عين الاختيار دون الإجبار وكيف كان فقد ظهر أن حرمة المعلول يستلزم حرمة العلَّة وكذا وجوبه وأمّا استحبابه وكراهته فإن أريد الطَّلب مع الإذن في التّرك ابتنى أيضا للعلَّة وإن أريد بهما الطلبان الكاشفان عن المصلحة والمفسدة الغير الملزمين الثابتين في الفعل فلا لأنّ علَّة المستحب والمكروه ليس فيهما صفة راجحة أو مرجوحة إلَّا أنّ الأمر كذلك في علَّة الحرام والواجب أيضا والحكم في الأحكام الاقتضائية من حيث ثبوتها للمقدمات أو خصوص السّبب والعلَّة على نسق واحد وقولنا بعدم ثبوت الكراهة لعلَّة المكروه سابقا في مبحث المقدّمة كان مبنيا على اللَّحاظ الأوّل والأمر في ذلك سهل وأمّا إباحة المعلول فهل يقتضي إباحة العلَّة أم لا فيه تفصيل بالنظر إلى معنى الإباحة فإنّها قد تطلق ويراد منها إذن الشّارع وترخيصه في الفعل والتّرك مع تساوي الطَّرفين والتحقيق عدم الملازمة كما يظهر بأدنى تأمل نعم مع تحريم العلَّة أو إيجابها يكون الترخيص في المعلول عبثا سفها بعيدا عن مقاصد العقلاء وحينئذ يستكشف من إباحة المعلول على الوجه المذكور إباحة العلَّة أيضا فلو دلّ دليل ظني على حرمتها أو وجوبها وقع التعارض بينه وبين ما دلّ على إباحة المعلول وقد تطلق ويراد منها عدم البأس والحرج فيه وقد يعبّر عن ذلك بالإباحة الأصلية أو العقلية وهذا لا ينافي وجوب العلَّة أو حرمتها بالذات أو بسبب من الأسباب وقد صرّح به جملة من الأعاظم منهم سلطان العلماء قدّس سره موردين على صاحب المعالم فيما اختاره في معلول علَّة واحدة كما يأتي الكلام فيه المسألة الثّانية عكس المسألة الأولى بأن تكون العلَّة مشتملة على مصلحة ذاتية في نفسها أو متّصفة بجهة مقبحة كذلك باعثة على الوجوب أو الحرمة أو غيرهما من الأحكام فليس هنا ما يقتضي بالملازمة بينها وبين معلولها في ذلك الحكم لانتفاء جهة المقدّمية كما في طرف العكس غاية الأمر كون المعلول لازم الحصول قهرا وذلك لا يستدعي التلازم في الحكم نعم يصح استناد ذلك إليه بالعرض والمجاز وهذا ليس من الحكم الشّرعي ولو على وجه التبعية والحاصل أنّه ليس هنا ما يقتضي سراية حكم العلَّة إلى المعلول وإن كان وجوب الشيء أو حرمته كاشفا عن المفاسد المترتبة عليه وجودا أو عدما إلَّا أنّ المفاسد والمصالح خارجة عن موضوع الأحكام الشرعيّة حسبما بيّناه آنفا كما بيّنا أنّه لا تتصور المسألتان إلَّا في الأفعال الاختيارية التوليديّة ثم لا يذهب عليك ما أشرنا إليه من أنّ وجوب العلَّة أو تحريمها لا يجامع حكما متضمّنا للترخيص في المعلول لوضوح التناقض ولزوم السّفه والعبث في الترخيص إلَّا أنّه مربوط بالمقام الآتي أعني اختلاف المتلازمين في الحكم لا بهذا المقام وهو لزوم اتحادهما في الحكم وسراية حكمهما إلى الآخر المسألة الثّالثة في معلولي علة واحدة فهل يسري حكم أحدهما إلى الآخر أم لا وقد ظهر ممّا ذكرنا في المسألتين الأوليين أنّ الحق عدم السّراية لفقد المقتضي وهذا واضح لكن صاحب المعالم ذهب إلى أنّ تحريم أحد المعلولين يستلزم تحريم الآخر وعلَّله بأنّ انتفاء التّحريم في أحد المعلولين يستدعي انتفاءه في العلَّة فيختص المعلول الآخر بالتحريم من دون علَّته وهو باطل وأورد عليه غير واحد من المحشّين بأن انتفاء التحريم من جهة لا ينافي ثبوته من جهة أخرى فيجوز أن تكون العلَّة حراما من حيث كونها علَّة لشيء الحرام ومباحا من حيث كونها علة لشيء آخر مباح قلت إن أراد صاحب المعالم من انتفاء التحريم الإباحة الأصلية بمعنى اللَّاحكمية اتجه عليه ما ذكره المحشون لأنّ عدم المقتضي للتحريم من جهة لا ينافي ثبوته من جهة أخرى فلا يلزم حرمة المعلول من دون علَّته وإن أراد منه الإباحة الشرعية فلا يرد عليه ما ذكروا فإنّ الترخيص في المعلول ينافي حرمة العلَّة مطلقا ولو من جهة أخرى للزوم السّفه والعبث حسبما بيّناه فتحريم المعلول يستدعي تحريم العلَّة من جميع الجهات فإذا فرض ترخيص الشارع وإذنه في ترك أحد المعلولين دلّ على ترخيصه في العلَّة وإلَّا لزم التناقض والتدافع بين حكمه في العلَّة وحكمه في المعلول إذ لا يصحّ أن يقول لا تفعل العلَّة وأذنت لك في ارتكاب معلوله كما هو واضح فلا جرم يكشف الإذن في ارتكاب المعلول الإذن في ارتكاب العلَّة وقد فرضنا حرمتها نظرا إلى حرمة المعلول الآخر فلا بدّ حينئذ من سراية حرمة أحد