ندعي عدم كفاية الأمرين ونقول إنّه من البديهيات الَّتي لا يسع للمتصف بالعقل إنكاره كيف والكتاب أكثره مجملات يحتاج إلى التفاصيل والتفاصيل الواصلة من النبي صلى الله عليه وآله أقلّ قليل وهذا شيء واضح لا يحوم حول إنكاره إلا متعصّب أو متعسّف فإن قلت ما ذكرت منقوض بزمان الغيبة المنقطع فيه فيض حضور الإمام عليه السلام وتصرفه في الرعية وما أفاده الخواجة رحمه الله دليل إغنائي يجب على كلّ ذو مسكة منصف الإذعان به وليس برهانا إلزاميّا ينفعنا في ميدان المناظرة والجدال مع الخصوم قلت هذا النقض هو الَّذي اعتمد عليه بعض أكابر العامة في العدول عن الصّراط المستقيم والميل عن الرّكن القويم لكنّا دفعناه في رسالتنا أيضا وحاصل الدفع أنّه فرق بين الابتداء والاستدامة ففي الابتداء يجب على اللَّه تعالى نصب الإمام من باب اللَّطف واستقباح نقض الغرض وجوبا ذاتيا لا يتغير بالجهات والمزاحمات ولا يجب عليه الإبقاء بدفع شر الظالمين إلجاء واضطرارا وقهرا عليهم كبعث النبي صلى الله عليه وآله إذا أراد تشريع الشرع فإنه لولاه لزم نقض الغرض فيجب من باب اللَّطف ولا يجب عليه حفظ النبي صلى الله عليه وآله عن شر الأشرار ولو قبل التكميل والتبليغ وأمّا الاستدامة فهو ممّا يمكن أن يتغير بالجهات المزاحمة ومذهب الإمامية غير متوقف إلا على النصب الابتدائي إذ به تنحل ظلمات الكفر والطغيان ويظهر صباح الحق عن أفق الإيمان أمّا البقاء والاستدامة غصبا على العباد كلَّا أو بعضا فهو ممّا لا يستقل العقل بوجوبه الذاتي الَّذي لا يتغير بملاحظة الجهات المزاحمة وهذا قليل من كثير ما حققناه في إبطال مقالة أفاضل العامة وعليك بتحصيل الرّسالة والغور فيما يتعلَّق بالمقام منها وتمام تحقيق المقام موكول إلى علم الكلام وما التوفيق إلا باللَّه وكيف كان فظهر أن إثبات وجوب المقدمة المفروضة بقاعدة اللَّطف دونه خرط القتاد ولذا قل استناد الفقهاء في الفروع إلى تلك القاعدة وسرّه ما ذكرنا من عدم استقلال العقل بصغرى اللَّطف بناء على إناطة الأحكام بالمصالح والمفاسد الحقيقية الَّتي لا تصاب بالعقول وثانيها قاعدة التحسين والتقبيح فإنّ العقل يقبح ترك الفعل المؤدّي تركه إلى الحرام ويذمّه ويحسن فعله ويمدح عليه فيكون واجبا بقاعدة الملازمة وفيه أن ترك النكاح في حيال ذاته ليس فيه جهة قبح يدركه العقل فقبحه إنّما هو باعتبار إفضائه إلى الحرام وكذا فعله لا حسن فيه إلا باعتبار كونه صونا للفاعل عن الوقوع في الحرام ففي نفس الفعل ليس صفة قاضية بالوجوب والقبح والمدح الملحوظان في المقام راجعان إلى حال الفاعل دون الفعل نعم لا مضايقة في وجوبه عقلا من باب الإرشاد وأين هذا من الوجوب الشرعي المتنازع فيه وثالثها ما ذكره بعض المحققين في دفع الإشكال الأول توجيها لكلمات الفقهاء وهو على طوله يرجع حاصله إلى أنّ الفعل المفروض كالنكاح وإن لم يتوقف عليه الواجب أعني ترك الحرام ضرورة اقتداره على الترك مع عدم النكاح أيضا لكنه يتوقف عليه اختياره لترك الحرام فكما أنّ مقدّمات وجود الواجب واجبة فكذلك مقدّمات اختياره له إذ الفعل والترك الاختياريان كما يحتاجان إلى مقدّمات وجودهما فكذلك يفتقران إلى اختيار المكلَّف بعد المقدّمات والملازمة العقلية الثابتة بين مطلوبية الشيء ومطلوبية الطائفة الأولى من المقدّمات ثابتة أيضا بينها وبين مطلوبية الطائفة الثانية فيجب الفعل المذكور حينئذ من باب المقدّمة وبه يتجه ما ذكره أساطين الفقهاء من وجوب النكاح مع توقف ترك الزنا عليه وهذا أمتن من سابقيه إلا أنّ جوابه أيضا ظهر ممّا ذكرنا في ردّ الثاني فإنّ وجوب الاختيار وجوب عقلي إرشادي لأنّ مرجعه إلى وجوب الامتثال والإطاعة وليس شيء آخر وراءه فكما أنّ وجوب الإطاعة عقلي فكذا اختيار فعل المأمور به وترك المنهي عنه فإنّهما بمعنى واحد والأولى في تصحيح كلمات الفقهاء حمل كلامهم على الوجوب الإرشادي كقولهم بوجوب التوبة حسبما برهن في محلَّه دون الوجوب الشرعي حتى يتطرق إليه الإشكال المذكور الَّذي لا حاسم له إلَّا بالتكلَّف والتعسّف ويمكن استظهاره من تعليلاتهم لوجوب النكاح أيضا فافهم وتدبّر الثّاني من أدلَّة الكعبي قاعدة التلازم بمعنى عدم جواز اختلاف المتلازمين في الحكم الشرعي أو بمعنى لزوم اشتراكهما فيه فإنّها على كلّ من المعنيين ينتج غرض الكعبي من نفي الإباحة عن ضدّ الحرام وذلك بعد إحراز التلازم بين ترك الحرام فينبغي البحث في إثبات الملازمة لكن أجيب عنها تارة بمنع الملازمة وأخرى بمنع لزوم اتحاد المتلازمين في الحكم وتحقيق المقام يستدعي الكلام في تلك القاعدة الَّتي جعلها غير واحد دليلا على وجوب المقدّمة وحرمة الضدّ كما تقف عليه في أدلَّة المثبتين وقال الفاضل التوني إنّ الملازمة قد تكون شرعية مثل ما ورد كلَّما قصّرت أفطرت وقد يكون عقلية ويندرج فيه مسألتان وهو عجيب لأنّ الملازمة الشرعية بين الحكمين لا مساس لها بقاعدة التلازم المبحوث عنها في الأصول إذ الغرض منها أن تكون نفس الملازمة دليلا على الحكم الشرعي لا حكما شرعيّا مدلولا للدليل الشرعي وبينهما بون بعيد وكيف كان ففيها أقوال أحدها جواز اختلاف المتلازمين في الحكم مطلقا عزي إلى المحقق القمّي في ظاهر كلامه وثانيها عدم جواز اختلافهما مطلقا كما عن الكعبي وثالثها التفصيل بين ما كان التّلازم ناشئا من العلية أو الاشتراك في العلَّة وبين ما لم يكن كذلك بل كان مجرّد عدم الانفكاك الخارجي بينهما فيلزم اتحادهما في الحكم في الأوّل دون الثاني نسب ذلك إلى صاحب المعالم ولكن المصرّح به