لترك الزنا مع قدرته على الترك بدونه وارتكاب للزنا بسوء اختياره وعلى الثاني فلا تكليف لفوات شرط القدرة والاختيار فلا يحرم عليه الزنا حتى يجب مقدّمة لترك فعل المباح المفروض والحاصل أن يكون فعل اختياري مقدّمة لترك حرام اختياري ليس له صورة معقولة نعم لو قلنا بحرمة تفويت التكليف أمكن الالتزام بوجوب التزويج حينئذ لأنّ تركه مفوت للتكليف في وقته وسبب لخروج المكلَّف عن قابلية التكليف فيحرم وقد سبق في مقدّمة الواجب تحقيق هذا المقال وأن تفويت التكليف بمعنى جعل المكلَّف نفسه غير قابل لأمر المولى في المستقبل ونهيه وإن شهد له الاعتبار وساعده بعض الآثار إلَّا أنّه منظور فيه حسبما مرّ الكلام فيه هناك ولذا قلنا بالوجوب النفسي التهيّئي في المواضع التي تثبت الوجوب بالدّليل كالغسل في ليلة رمضان وغيره ممّا فصّلناه سابقا وربما يورد عليه أيضا بأنّ هذا الفرض راجع إلى الأوّل لأنّ فعل الضدّ مسبوق بإرادته لا محالة وهي صارفة الحرام فترك الحرام دائما مستند إلى الصّارف وليس هنا صورة يتوقف ترك الحرام منها على فعل المباح حتى يجب من باب المقدّمة وفيه أن إرادة المباح إنّما هي صارفة عن الحرام في زمانه لا في الزمان المتأخّر فقد يتوقف على بقاء الصّارف وبقائه يتوقف على فعل المباح فالإيراد عليه من هذه الجهة ساقط وإنما يرد ما عرفت من أنّ الترك الاختياري كيف يتوقف على فعل اختياري فما ذكروه في باب النكاح غير واضح ولا متضح وقد استدل على وجوب ما يتوقف عليه الترك الاختياري بوجوه أخر تصحيحا لمقالة الفقهاء بوجوب النكاح إذا خشي الوقوع في الزنا بتركه أحدها أنّ ترك النكاح في الحال المذكور لما كان مؤدّيا إلى فعل الحرام وفعله سببا لتركه اختيارا لزم على اللَّه تعالى بقاعدة اللَّطف إيجابه على العباد إذ لا ريب في كون إيجابه مقربا للطَّاعة ومبعدا عن المعصية وكلّ مقرب للطَّاعة لطف وكلّ لطف واجب فإيجاب النكاح في الفرض المذكور واجب وربّما يجاب عنه بمنع كلَّية الكبرى وهي وجوب اللَّطف ولذا ذهب إلى انقسام اللَّطف بقسمين واجب ومستحبّ لما نجد بالحسّ والعيان من صدور كثير من المعاصي عن العصاة من جهة ضيق المعاش أو قلَّة المال أو عدم الاستطاعة إلى محافظة الفرج بالنكاح وأمثالها فيجب على اللَّه تعالى من باب اللَّطف أن يوسع على السّارق من المال بما ينصرف به عن السّرقة والزاني بما لا يشتاق به إلى الزّنا وهكذا سائر أبواب المعاصي الَّتي لا يخوض فيها الواجد مثل ما يخوض الفاقد وفيه أن برهان وجوب اللَّطف قوي لا ينخرم بالشكوك والشبهات وهو نقض الغرض المستحيل صدوره عن العاقل المختار فضلا عن الحكيم الواحد القهّار كما تحقق في محلَّه وإليه يشير قول اللَّه عزّ من قائل كالَّتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا حيث شبه سبحانه وتعالى تعييرا عليهم جعلهم من القبيح البعيد عن ساحة العقلاء لما فيه من نقض الغرض بفعل الَّتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا وكيف يمكن إنكار وجوب اللَّطف على اللَّه تعالى مع ما في خلافه من نقض الغرض الَّذي لا يصدر عن العاقل فضلا عن الحكيم المنزه عن القبائح بل التحقيق في الجواب على ما حقق في محلَّه منع صغرى اللَّطف في الأمور المتعلَّقة بالدين المبنية على الإحاطة بالمصالح والمفاسد النفس الأمرية إذ بعد رجوع وجوبه إلى قاعدة التحسين والتقبيح يجب ملاحظة الجهات ومزاحمة بعضها مع بعض والتوسعة في المعاش وإن كان مقرونا لبعض الطاعات في بادئ النظر إلا أنّ سلامتها عن الجهات المزاحمة لا تدركها العقول القاصرة فكيف يحكم على اللَّه تعالى بأن إعطاء المال للسّارق لطف في حقه وهل هو إلا ترجما بالغيب واقتحاما في العيب ألا ترى أنّ النبوة المطلقة بمعنى وجوب بعث الأنبياء ممّا اتفق الكلّ على كونه لطفا مع أنّه كثيرا من الأعصار والأمصار كانت خالية عن الأنبياء وسفراء اللَّه وما هذا إلا لعدم إحراز الصّغرى وإلا فوجوب كلّ لطف على اللَّه ممّا لم يشكّ فيه الحكماء والمتكلَّمون فإن قلت فعلى هذا يشكل إثبات وجوب نصب الإمام بالدليل العقلي الراجع إلى قاعدة اللَّطف لأنّ المجادل في القول له أن يقول إن كون نصب الإمام لطفا ممنوع لعدم العلم بسلامته عن الجهات المزاحمة مثل ما قلت في الأمثلة المذكورة قلت بهذه الشبهة تمسّك بعض المتبحرين من العامة في ردّ قول الخواجة نصير اللَّه والدين قدّس سره حيث يقول في حق الحجة المنتظر عجّل اللَّه تعالى فرجه وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منا وقد أجبنا عنها في رسالة منفردة معمولة في أصول العقائد ومحصّل ما أجبنا عنها أن بقاء الشريعة مطلوب من اللَّه تعالى فلا بدّ له من حافظ فعلى اللَّه نصب الحافظ لأنّ التناقض بين إرادة البقاء مع عدم نصب الحافظ بيّن واحتمال عدم المصلحة في النّصب راجع إلى احتمال عدم البقاء والفرض خلافه وغاية ما يتوهم أو توهّم في هذا المقام دعوى نهاية الكتاب العزيز والسّنن النبوية في البقاء وأنّه لا يحتاج إلى حافظ آخر وإلَّا فبعد فرض عدم كفايتهما لجميع الأحكام الشرعية كما تقضي به البديهة لا يسع لعاقل أن يمنع وجوب نصب من تم معه غرض البقاء إلى انقراض العالم فالمنع الصّغروي الَّذي ارتكبناه في الأمثلة المذكورة لا يأتي في نصب الحافظ فلا يلتفت إليه بعد عدم وجود شيء كاف لجميع الأحكام فكيف يمكن منع كون نصب الحافظ حينئذ لطفا فإن كان للمجادل كلام فإنما هو راجع إلى ما ذكرناه من دعوى وجود ما به الكفاية ونحن معاشر