في العلَّتين إلى الترتب الطبعي بين المعلولين وإلَّا لزم تخلَّف المعلول عن العلَّة كما يظهر بالتأمّل رابعها أن مرجع الجواب عن الدور بهذا الوجه إلى الدليل الوجداني الَّذي أقيم على عدم كون ترك الضدّ مقدّمة لفعل ضدّ حيث إن القائل بكون الترك والفعل متقارنان متساويان في الرتبة وليس لأحدهما تقدم على الآخر حتى يكون مقدّمة له يقول إن ترك الضدّ وفعل الضدّ يتبعان من شيء واحد وهي إرادة الضدّ مثلا وأن كلامهما يستند إليها ولا مدعى له سواء فقد تضمّن الجواب المذكور على دعواه وجرى الحق بلسان المجيب من حيث لا يشعر والحاصل أن ضرورة الوجدان قاضية بأنّ السّبب الداعي إلى أحد الضدّين صارف عن الآخر أو مقارن له فيكون وجود الضدّ وعدم الآخر إمّا مسبّبين من سبب واحد أو من سببين متساويين في الرتبة فيكونان في مرتبة واحدة من غير ترتب أحدهما على الآخر الرّابع من الأدلَّة أن ترك الضدّ لو كان مقدّمة لفعل ضدّ لكان فعل الضدّ أيضا مقدّمة للترك بل هو أولى بالإذعان حسبما فصل في الدليل السّابق وحينئذ يلزم قول الكعبي بانتفاء المباح رأسا وانحصار الأحكام بالواجب والحرام وهو باطل شرعا كما أنّ الدّور محال عقلا وإليه ينظر كلام سلطان العلماء قدّس سره في حاشية العضدي كما نقلنا سابقا وهذا الدليل والدليل السّابق كلاهما متفرعان على بطلان التالي وهو كون الفعل أيضا مقدّمة للترك لكن السّابق يكفي فيه إثبات الملازمة بين الشرط والجزاء في تلك القضية الشرطية وهذا الدّليل يتوقف مضافا إلى إثباتها على مقدّمتين أخريين إحداهما وجوب ترك الحرام والأخرى وجوب مقدّمة الواجب ولأجل ذلك أجيب عنه بوجوه أخر مضافا إلى الوجه الَّذي أجيب به عن الأوّل فإنّه الوجه المشترك بين الدّليلين وسائر الأجوبة مختصّة بهذا الدليل ولا مساس لها بالدليل السّابق ويأتي الكلام عن قريب إن شاء الله في بيانها وبيان ما فيها صحّة وسقما بقي الكلام في التفصيل بين الرفع والدّفع الَّذي نقلناه عن المحقق الخوانساري بعد أن أورد كلام السبزواري رحمه الله وأورد عليه بما لا يهمنا ذكره ما لفظه وهاهنا كلام آخر وهو أنه يجوز أن يقال إن المانع إذا كان موجودا فعدمه ممّا يتوقف عليه وجود الشيء وأمّا إذا كان معدوما فلا نظير ما قال المحقق الدّواني إن عند إمكان اتصاف شيء بالمانعية فلا يكون حينئذ عدم المانع موقوفا عليه وعلى هذا لا يلزم على المجيب دوران حمل كلامه على ظاهره أيضا وبالجملة الحكم بتمانع الأضداد ممّا لا مجال لإنكاره وفي كلام الشيخ الرئيس أيضا التصريح بتمانعها كيف وأيّ شيء أولى بالمانعية من الضدّ فلا وجه للإيراد على المجيب بأنّه جعل الضدّ مانعا نعم لو قيل إن عدم المانع مطلقا ليس موقوفا عليه بل هو من مقارنات العلَّة التامة كما ذهب إليه بعض لم يكن بعيدا لكن هذا بحث لا اختصاص له بالمجيب وبمقامنا هذا ولا يخفى أنّه على هذا الجواب عن الشبهة في غاية الظهور انتهى قلت وهذا التفصيل خير الأقوال الَّتي عثرتها في مقدمة ترك الضدّ متى ركن إليه شيخنا العلَّامة قدّس سره والدّليل على الجزء الثبوتي منه وهو كون رفع الضدّ الموجود موقوفا عليه لوجود الضدّ المعدوم هو دليل المشهور من كون الضدّ مانعا وعدم المانع مقدّمة فيأتي فيه ما عرفت في ذلك ردّا وقبولا ونزيد هنا فنقول إنّ مجرد الضدية لا يقتضي بالتمانع كيف وقد نرى بالوجدان بل نشاهد بالعيان أن بعض الأضداد ليس مؤثرا وعلَّة لفناء الآخر حتى يكون مانعا عنه وذلك مثل السّواد والبياض فإنّهما ضدّان بالضرورة مع أن أحدهما ليس مانعا عن الآخر إذا كان موجودا قبله بل متى وجد المقتضي للسّواد أثر أثره حال اشتغال المحلّ بالبياض كحال فراغه عنه وكذا الحال لسائر الأضداد القارة فإنّ وجود شيء منهما لا يمنع عن تأثير مقتضى الآخر بل يرتفع بمجرّد مقتضيه فيكون ارتفاعه ووجود ضدّه مستندين إلى نفس المقتضى وهذا يدلّ على أن صرف التضاد لا يوجب التمانع إذ المانع من شأنه منع تأثير المقتضى ومع عدم المنع كيف يكون مانعا وأيضا يجوز أن يكون عدم أحد الضدّين والضدّ الآخر معلولي علَّة واحدة كالحرارة والبرودة والموت والحياة والنور والظَّلمة والحركة والسّكون فإنّ علَّة وجود الحرارة مثلا هو علَّة عدم البرودة وهكذا فالضدّية شيء والمانعية شيء آخر لا ملازمة بينهما فالحكم بالمانعية بمجرّد الضدّية لا سبيل إليه ولا دليل عليه سوى أنّهما لا يجتمعان وقد سبق غير مرّة أن عدم الاجتماع أعمّ من التمانع وأمّا الجزء السّلبي وهو منع مقدّمية العدم المقارن الَّذي عبّرنا عنه بالدّفع فليس دليله مذكورا في كلامه ولا في كلام غيره بل هو من متفرداته الَّتي لم نجده لغيره سابقا ولا لاحقا ويمكن أن يكون مستنده أمرين أحدهما أن مقدّمة الشيء ما كان مقدّما عليه زمانا كما يشعر به عنوان المقدّمية فما كان مقارنا مع الشيء فليس هو مقدّمة له وإن كان مفتقرا إليه بالذات ولذا لا يعدون الجزء من المقدّمات مع أنّ الافتقار إليه أشدّ وآكد وثانيهما أنّ عدم الضدّ صار مقدّمة للآخر من حيث كون عدم المانع مقدّمة وغير الموجود ليس بمانع فلا يكون عدمه مقدّمة للضدّ الآخر وضعف الوجهين مما لا يخفى أمّا الأوّل فلأنّ المقدّمة عندهم منقسمة إلى شرط وسبب وفسّروا الشرط بما يلزم من عدمه العدم وهذا كما يصدق على عدم المانع الموجود كذلك يصدق على عدم المانع المعدوم ولذا أطلقوا مقدّمية عدم المانع ولم يفصّل هذا التفصيل أحد والحاصل أنّ مناط المقدّمية هو التقدم الطبعي