وهو ترك ضدّه وهل يتفوه به ذو مسكة فهذا الوجه بمكان من الضّعف والفساد الثّالث أنّ ترك الضدّ لو كان مقدّمة لفعل ضدّه لكان الفعل أيضا مقدّمة للترك لأنّ منشأ التوقف هي المانعية حيث علَّلوه بها وإلا فلا دليل لهم على التوقف ومن الواضح تساوي الضدّين في المانعية فإذا كان عدم الضدّ شرطا كان وجود الآخر مانعا ومقتضاه توقف كلّ من الترك والفعل على الآخر وإن كان توقف الفعل على الترك توقف المشروط على الشرط وتوقف الترك على الفعل توقف المسبّب على السّبب وهو أولى من الأوّل لأن توقف المسبّب على السّبب آكد من توقف المشروط على الشرط وهو دور محال كما أشار إليه سلطان العلماء قدّس سره في كلامه الآتي لكن المحقق السّبزواري جعل جهة التوقف في الجانبين العلَّية قال ما لفظه ثم في جعل الأضداد مانعا من حصول الحرام نظر إذ لو كانت المانعية من الطرفين لاستواء النّسبة فإذا كانت الصّلاة مثلا مانعة من الزنا كان الزنا أيضا مانعا منها وحينئذ كان الزنا موقوفا على عدم الصّلاة فيكون وجود الصّلاة علَّة لعدم الزّنا والحال أن عدم الزنا علَّة لوجود الصّلاة لأنّ رفع الشيء مانع من عدم وجوده فيلزم أن تكون العلَّية من الطَّرفين وهذا خلف انتهى ولا يخفى أن علَّية عدم الزنا لوجود الصّلاة إنما هو لكونه جزءا أخيرا للعلَّة التامة فيرجع إلى الوجه الَّذي ذكرناه وأشار إليه سلطان العلماء قدّس سره في كلامه المحكي عن حاشية العضدي بقوله فلو كان ترك الضدّ مقدّمة لفعل ضدّه فيكون فعل الضدّ مقدّمة لترك ضدّه أولى بالإذعان ولما كان منشأ توهم التوقف هو المقارنة الاتفاقية حصل ذلك الاشتباه في المقامين مع أنّه محال انتهى والمراد بالمقامين الترك والفعل وبالاشتباه اشتباه التوقف فإنّ القوم اشتبه عليهم الأمر في الأوّل فزعموا أن الترك مقدّمة للفعل والكعبي اشتبه عليه الأمر في الفعل فزعم أنه مقدّمة لترك الحرام والحاجبي والعضدي جمعا بين الاشتباهين كما نصّ على ذلك في حاشية المعالم وقوله مع أنه محال إشارة إلى الدّور قلت قد كثر الكلام في رفع غائلة المقام وطال التشاجر بين الأساطين العظام إلَّا أنهم لم يأتوا بشيء يرتفع به اللَّثام عن وجه المرام وخير ما ذكر هنا ما أفاده بعض المحققين الأعلام حيث اشتمل على كلّ ما قيل أو يقال في الجواب عن الدور قال ما لفظه إن وجود الضدّ من موانع الضدّ الآخر مطلقا فلا يمكن فعل الآخر إلا بعد تركه وليس في وجود الآخر إلا شائبة كونه سببا لترك ذلك الضدّ إذ لا ينحصر السّبب في ترك الشيء في وجود المانع منه فإن انتفاء كلّ من أجزاء العلَّة التامة علَّة تامة لتركه ومع استناده إلى أحد تلك الأسباب لا توقف له على السّبب المفروض حتى يرد الدّور ثم أورد على نفسه بأنّه إذا فرض انتفاء سائر الأسباب وانحصار الأمر في السّبب المفروض يعني وجود المانع الَّذي هو الضدّ فيجيء الدّور ثم أجاب عنه بأن هذا الغرض غير ممكن لأنّ فعل الضدّ مسبوق بإرادته وهي كافية في التّسبب لترك ضدّه فلا يتحقق إسناد ترك الضدّ إلى وجود ضدّه لكونه مسبوقا بالإرادة وهي صارفة عن الآخر ثم أورد على نفسه بأنّه يجري الكلام المزبور بالنّسبة إلى إرادة الضد لمضادتها مع الضدّ الآخر ثم أجاب عنه بمنع المضادة وأن مجرّد امتناع الجمع بين الأمرين لا يقتضي المضادة إذ قد يكون الامتناع عرضيّا كما في المقام فإن امتناع اجتماع إرادة أحد الضدّين مع الضدّ الآخر من جهة تضاد هذه الإرادة لإرادة الآخر ولذا كانت إرادة أحدهما صارفة عن الضدّ الآخر ثم أورد على نفسه بأنّه يجري الكلام بالنّسبة إلى الإرادة المفروضة وإرادة الضدّ الآخر فيلزم الدّور لأن حصول الإرادة المفروضة سبب لعدم إرادة الضدّ الآخر لما ذكر من أنّ وجود أحد الضدّين سبب لانتفاء الآخر مع أنّ وجودها يتوقف على انتفاء الآخر بناء على كون عدم الضدّ شرطا في حصول الآخر ثم أجاب عنه بأن إرادة الفعل وعدمها إنما يتفرع على حصول الداعي وعدمه فقد لا يوجد الدّاعي إلى الضدّ أصلا فيتفرع عليه عدم الإرادة من غير أن يتسبّب ذلك من إرادة الضدّ الآخر بوجه من الوجوه وقد يوجد الدّاعي لكن يغلبه الداعي إلى الضدّ الآخر المأمور به مثلا فلا يكون عدم الإرادة حينئذ أيضا مستندا إلى إرادة الضدّ بل إلى غلبة داعية وعلى أيّ حال فلا تأثير لنفس الإرادة في انتفاء الإرادة الأخرى ثم أورد على نفسه بأنا نجري الكلام والإيراد بالنّسبة إلى غلبة الداعي إلى الضدّ المأمور به وغلبة الداعي إلى ضدّه لكونهما ضدّين أيضا وقد صار رجحان الداعي إلى الفعل سببا لانتفاء رجحان الداعي إلى ضدّه والمفروض توقف الرجحان المزبور على انتفاء رجحان داعي الضد فيلزم الدّور ثمّ أجاب عنه بأنه لا سببيّة بين رجحان داعي الفعل وبين انتفاء رجحان داعي ضدّه بل رجحان الداعي إلى الفعل إنما يكون بعين مرجوحية الداعي إلى الضدّ فهما حاصلان في مرتبة واحدة من غير توقف بينهما حتى يتقدّم أحدهما على الآخر في المرتبة فرجحان الداعي إلى المأمور به مثلا مكافئ في الوجود لمرجوحية الداعي إلى ضدّه إذ الرجحانية والمرجوحية من الأمور المتضايفة ومن المقرر عدم تقدم أحد المتضايفين على الآخر في الوجود انتهى كلامه ملخّصا وهذا الكلام مع اشتماله على التهاون والتناقض حيث صرّح أولا في رفع الدّور بأن ترك الضدّ مستند إلى إرادة الضدّ الآخر لا إلى نفسه ثم التجأ في الجواب عن السّؤال الثالث إلى استناد الترك إلى عدم الداعي وتنافيهما ممّا لا ينبغي أن يخفى يرد عليه وجوه أحدها أنّ مقدّمية ترك الضدّ مبنية على أن يكون فعل الضدّ مانعا مؤثرا في عدم الآخر ويكون العدم مستندا إليه كما هو شأن المانع