عمّا نظر إليه والفؤاد عمّا عقد عليه ومنها قوله تعالى ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن دلّ على النّهي عن الفاحشة الباطنيّة وهي الكيفيّات النفسانية الخبيثة من نحو الكبر والعجب والحسد وإرادة المعصية ونحوها ومنها قوله تعالى إنّ الَّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الَّذين آمنوا لهم عذاب أليم فإنّه يدلّ على ثبوت العقاب على حسب إشاعة الفاحشة وهو مرتبة من الإرادة ومنها قوله تعالى إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللَّه دلّ على المؤاخذة على ما في النّفس الَّذي هو عبارة عن القصد ومنها قوله تعالى تلك الدّار الآخرة نجعلها للَّذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فسادا يدلّ بالمفهوم على أن من أراد علوّا وفسادا ليس له في الآخرة من نصيب وهو كناية عن كونه مؤاخذا بذلك في الدّار الآخرة وعن أمير المؤمنين عليه السّلام في تفسيره أنّ الرّجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل أخيه فيدخل تحتها ومنها قوله تعالى واعلموا أنّ اللَّه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه إنّ اللَّه غفور رحيم إلى غير ذلك من الآيات الدّالَّة على حرمة إرادة السّوء والمؤاخذة عليها وأمّا الأخبار فطوائف منها ما يدلّ على الذّم والعقاب على نية المعصية مثل قوله صلى الله عليه وآله نيّة الكافر شرّ من عمله وقوله إنّما يحشر الناس على نياتهم وقول الصّادق عليه السلام إنما خلد أهل النّار في النار لأنّ نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا وإنما خلد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نياتهم كانت في الدّنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا اللَّه أبدا فبالنيّات خلد هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قوله تعالى قل كلّ يعمل شاكلته أي على نيته ومثل ما روي من أنّ من سر سريرة رداه الله رداءها إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا وما عن الصّادقين ملعون من ترأس ملعون من هم بها ملعون من حدث بها نفسه وما ورد من أنّه إذ التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول كلاهما في النار قيل هذا القاتل فما بال المقتول قال صلى الله عليه وآله لأنّه أراد قتل صاحبه وعن أمير المؤمنين عليه السلام في ذيل الخبر المرويّ عنه عليه السلام في بيان اطَّلاع الملكين على النيات أنّ المؤمن إذا نوى الشر خرج من فمه مثل رائحة الكنيف فيتكرّهان منه ويعلمان أنّه نوى الشر فيكتبانها عليه إلى غير ذلك ممّا يطَّلع عليه المتتبع في كتب الأخبار ومنها ما يدلّ على المؤاخذة على الرضا بما يفعله الغير من المعاصي فهي تدلّ على ثبوت المؤاخذة على الرضا بفعل النفس بطريق أولى أو تنقيح المناط مثل ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه وعلى الدّاخل إثمان إثم الرضا وإثم الدّخول وما روي من أنّ من رضي بفعل قوم فقد لزمه وإن لم يفعل وما ورد في كثير من الروايات المأثورة عنهم عليهم السلام من قولهم لعن اللَّه أمّة قتلتك ولعن اللَّه أمّة ظلمتك ولعن اللَّه أمّة سمعت بذلك فرضيت به ونحو ذلك ومنها ما ورد في بعض مقدّمة بعض الحرام كالغرس للخمر والمشي لسعاية المؤمن وهذه الأدلَّة وفي مقابلها أخبار أخر تدلّ على عدم العقاب على نية المعصية وهي بين ما يدلّ على العفو عنها مثل ما عن الصّادق عليه السّلام أن المؤمن يهمّ بالسّيئة أن يعملها فلا يعملها فلا يكتب عليه وعنه عليه السلام إذا همّ العبد بالسّيئة لم يكتب عليه وإذا همّ بحسنة كتب له وعنه عليه السلام أيضا قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في حديث إنّ من همّ بسيّئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن هو عملها أجّل سبع ساعات وبهذا المضمون روايات كثيرة يجدها المتتبع في كتب الأخبار وبين ما يدلّ على عدم الاستحقاق رأسا وهو ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن الصّادق عليه السلام أنّه قال لو كانت النيات من أهل الفسوق يؤخذ بها لأخذ كلّ من نوى الزّنا بالزنا والسّرقة بالسّرقة وكلّ من نوى القتل بالقتل لكن اللَّه عدل كريم ليس الجور من شأنه فإنّه يدلّ على عدم المؤاخذة على نية المعصية وأن قاصد السوء لا يستحق العقوبة فقد ذكر في وجه الجميع بين ما يدلّ على المؤاخذة والعقاب وأخبار العفو وجوه أحدها ما ذكره شيخنا العلَّامة من حمل ما دلّ على العفو على من ارتدع عن قصده بنفسه وحمل ما دلّ على ثبوت المؤاخذة على من بقي على قصده حتى عجز عن الفعل لا باختياره ولعلَّه يومئ إليه ما مرّ عن مولانا الصّادق عليه السلام أنّ المؤمن يهمّ بالسّيئة أن يعملها فلا يعملها فلا يكتب عليه لظهور قوله فلا يعملها في ارتداعه عنه بنفسه واختياره ويبعده أن الارتداع بنفسه لا يكون إلَّا مع الندم وهو التوبة المكفرة لجميع المعاصي وأخبار العفو آبية عن ذلك لظهور انسياقها في إثبات خصوصيّة للقصد من بين المعاصي وثانيها حمل أخبار العفو على صورة الارتداع مطلقا ولو لم يكن باختياره وحمل ما دلّ على المؤاخذة على غيرها وهو ممّا لا شاهد له في الأخبار وثالثها حمل أخبار العفو على من اكتفي بمجرّد القصد وما عداها على من اشتغل بعد القصد ببعض المقدّمات وإنما يشهد له ما ورد في الغارس للخمر والماشي لسعاية المؤمن من تحريم المشي والغرس ورابعها حمل أخبار العفو على المؤمن وغيرها على غيره ويشهد له اختصاص بعض الأخبار الدّالة على العفو بالمؤمن وخامسها حمل ما دلّ على ثبوت المؤاخذة على مجرّد الاستحقاق وإبقاء ما دلّ على العفو على ظاهره ويمكن المناقشة والخدشة في الكلّ وإن كان بعضها أولى من الآخر وأحسن الجموع ما صرّح به الأصحاب كالشهيد والبهائي وغيرهما ممّن عرفت من المصرّحين بعدم العقاب وإن كان أهلا له فيكون من موارد العفو الحتمي الَّذي جوّزوه في علم الكلام كالظهار ونحوه ممّا ليس المقام مقتضيا لذكره فيصير حاصل مجموع الأدلَّة الأربعة المذكورة في العزم والإرادة أن إرادة المعصية معصية إلا أنّها معفوّ عنها منة على هذه الأمة فهو من خصائصهم لم يكن لغيرهم من الأمم كما