بالقدرة الخاصة بالوقت لم تجب الصّلاة مع الوضوء عليه حتى يأتي به من باب المقدّمة فإن قلت تقدم وجوب المقدمة على وجوب ذي المقدمة غير معقول لاستحالة تقدّم المعلول على العلَّة لأن وجوبها معلول لوجوب ذيها قلت أمّا الوجوب المعلولي الشرعي المتنازع فيه فهو غير معقول أن يعرض المقدمة قبل عروض الوجوب لذيها كما قلت لكن رفع الإشكالات المتقدّمة لا يتوقف على إثبات هذا الوجوب المعلولي بل على ثبوت الوجوب العقلي ولو كان إرشاديا وقد أوضحنا حكم العقل به إرشادا لأجل دفع الضّرر المستقبل فإنّه بعد أن علم أن القدرة على المقدمة قبل الوقت كافية في صحة المؤاخذة والعقاب على ترك ذي المقدّمة في وقته حكم لدفع الضّرر بوجوبها قبل الوقت هذه قصارى ما يوجه به الجواب المذكور وفيه بعد التأمّل ما لا يخفى لفساد أصل المبنى من عدم كون القدرة شرطا للتكليف بل للمؤاخذة والعقاب لمنافاته أصل العدلية من اعتبار وصف الاختيار والمقدوريّة في الفعل الَّذي يتعلَّق به التكليف فإنهم صرّحوا في المبادئ الأحكامية بأن من شرائط التكليف أن يكون الفعل اختياريا مقدورا للفاعل وجودا وعدما وأن الفعل الغير الاختياري لا يتصف بالحسن والقبح المنوط بهما التكليف عند أهل التحسين والتقبيح نظير الأفعال الصّادرة من البهائم فإنّها لا تتصف بهما ولا بالمصالح المنوط بها التكاليف فكيف يقال إن القدرة ليست شرطا للتكليف بل إنّما هي شرط لصحّة المؤاخذة والعقاب وكيف يدعي العاقل أن المصالح الَّتي تدور مدارها التكاليف عند الإمامية لا تتوقف على القدرة بل على البلوغ والعقل وسائر الشرائط الشرعية كالاستطاعة فإن قلت نحن لا نقول بأن القدرة ليست شرطا للتكليف بل نقول إن الَّذي هو شرط إنما هي القدرة المطلقة من أوّل زمان العلم بالتكليف إلى آخره لا القدرة الخاصة لزمان الوقت قلت لا معنى لكون القدرة السّابقة كافية في جواز التكليف بالممتنع في وقته بعد تسليم كونهما شرطا للتكليف إذ العبرة بحال الفعل الَّذي تعلَّق به التكليف والمفروض أن الَّذي تعلَّق به التكليف إنّما هو الفعل المقيد بالزمان الكذائي فلا بدّ أن يلاحظ حال الفعل في ذلك الزمان لا فيما قبل نعم إن منعت اشتراط التكليف بالقدرة وجعلتها شرطا للمؤاخذة والعقاب أمكن لك دعوى الاكتفاء بالقدرة السّابقة في صحّة المؤاخذة أمّا بعد تسليم كون القدرة شرطا للتكليف كالزمان والعقل والبلوغ فلا وجه للاكتفاء بالقدرة السّابقة ثمّ ما أجيب به عن السّؤال الثاني غير سديد لأنّ التقدير خلاف الأصل لا يحتاج إلى الدليل وذيل الآية لا يدلّ عليه لا مفهوما ولا منطوقا لأن منطوقها وجوب التيمم على تقدير عدم الماء ومفهومها عدم وجوبه على تقدير وجوده لا وجوب الوضوء على هذا التقدير حتى يستفاد منه اشتراط وجوب الوضوء بالقدرة على الماء بعد الوقت مع أنه بعد التّسليم أيضا لا يفيد شيئا حتى لو فرضناها مذكورة صريحة لأن اشتراط الوضوء بوجدان الماء ورد على طبق حكم العقلي نظرا إلى اشتراط جميع التكاليف بالقدرة عقلا فلا يستفاد منه أزيد ممّا يقتضي به العقل فإذا بني على أنّ العقل يقنع بالقدرة السّابقة على مجيء شرط التكليف أو زمانه فكيف يستفاد منها حكم شرعي تعبّدي آخر أزيد مما يحكم به العقل أعني اعتبار القدرة اللَّاحقة خاصة في وجوب الوضوء ودعوى أن الأصل في الخطاب التأسيس لا التأكيد فتدلّ على اعتبار القدرة اللَّاحقة الَّتي لا يحكم بها العقل وإن كان صحيحة عندنا في صورة دوران الأمر بين الإرشادي والشرعي خاصة لا مطلقا خلافا لأستاذنا العلَّامة قدّس سره فلم يقل به مطلقا حتى في تلك الصّورة إلا أنّها لا تنفع في المقام بعد عدم كون الاشتراط مذكورا في الكلام بل مستفادا من بعض الأوهام وخلاصة ما ذكرنا في ردّ هذا الجواب أنّ القدرة على الفعل شرط عقلي وشرعي للتكليف والفعل مقيد بالزمان والقدرة الحالية ليست قدرة على متعلَّق التكليف بل هي القدرة على الفعل مع التّجرد عن قيد الزمان فإذا كان القدرة على الفعل في وقته شرطا وعلم المكلَّف أن هذا الشرط غير حاصل في المستقبل فلا تكليف لا في الحال ولا في الاستقبال فلما ذا يجب عليه المقدّمة ثمّ إنّ إشكال تقدّم المعلول على العلَّة غير مندفع بما ذكر من الوجوب الإرشادي لأنّه لا يترتب عليه آثار الوجوب الشرعي التي منها جواز نيّة الوجوب قبل الوقت فلا يرتفع به الإشكال فإنّ مبناه على كلام الأصحاب بالوجوب الشرعي وعليه مبنى قصد الوجوب بالغسل قبل الفجر وهذا نظير الوجوب النّفسي الَّذي عرفت أنه غير مجد في الباب وإن كان بينهما فرق من جهة أو جهات أخرى ومنها أن المقدّمة وإن لم تكن واجبة قبل الوقت من حيث كونها مقدمة لكن قد يكون عدم الإتيان بها قبله مفوتا للتكليف الآتي في المستقبل وهو أي تفويت التكليف وجعل المكلَّف نفسه غير قابل لأمر المولى ولو في المستقبل قبيح عقلا وشرعا مثل تفويت المكلَّف به بعد الوقت في الموسّع أمّا عقلا فلما عرفت سابقا أن المولى لو قال لعبده سافر غدا وفعل العبد بنفسه ما يخرج به عن قابلية المسافرة في الغد لذمّه العقلاء واستحق عندهم الضرّاء والبأساء وأمّا شرعا فلدلالة