ما هو غاية للواجب كما يظهر ذلك من محققي هذه الصّناعة حيث استدلَّوا على وجوب قبول خبر الواحد بآية النفر مستندين في ذلك إلى كون الحذر في الآية غاية للإنذار الَّذي هو واجب ضرورة ابتنائه على كون غاية الواجب واجبا دالا لما كان ذلك متجها منهم وذلك لأنّه لا محيص عن القول بوجوب التقييد على وجه الإخلاص بعد الاعتراف بكونه غاية للواجبات إلَّا أنّ يقال إن غاية ما يلزم من تسليم دلالتها على وجوب التعبد لكونه غاية للواجبات إنما هو وجوبه نفسا وكونه تكليفا آخر في عرض سائر التكاليف وهذا غير مفيد للخصم فإن ما يفيده حسبما عرفت إنما هو وجوبه شرطا في سقوط التكاليف الشرعية لكن الإنصاف أنه لا مجال لإنكار استفادة الوجوب على وجه التقييد والاشتراط بعد تسليم كون الغاية واجبة إذ يكون المأمور به في الحقيقة هو تلك الغاية بحيث يكون الأمر بالمعنى توطئة لحصولها فلا يحصل الامتثال بإتيان المأمور به من دون إحراز الغاية بل يدور حصوله مدار حصولها وحينئذ فكيف لا يستفاد منه التقييد وبالجملة فرق بين استفادة وجوب التعبّد من دليل مستقل وبين استفادة وجوبه من جعله غاية للأمر وغرضا منه فإن مقتضى الأوّل هو كون التعبد واجبا مستقلا نفسيّا يستحق بتركه العقاب ولا مساس له بالمدعى لعدم دلالته على التقييد والاشتراط على إشكال فيما إذا كان الدليل الدال عليه نقليا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وأمّا الثّاني فهو غير منفك عن الوجوب الشرطي لاقتضائه وجوب تحصيل الغرض من الامتثال بالمأمور به فبعد البناء على دلالة الآية على وجوب التعبّد لكونه غاية لما أمروا به لا مدفع عن الاستدلال به نعم إنما يتم ما ذكره شيخنا العلَّامة قدّس سره لو منعنا عن وجوب غاية الواجب بل هو مبني عليه وتحقيق القول في ذلك أن فيه تفصيلا فإن غاية الواجب وما هو الغرض من وجوبه لا يخلو إمّا أن يكون فعلا من الأفعال كالتبريد الَّذي علم بكونه عرض الآمر بشرب دواء مركب من أجزاء وكالتقوية الَّتي هي غرض السيّد الآمر عبده بالأكل وغير ذلك من الأفعال وإمّا أن يكون ذلك الغرض صفة راجعة إلى نفس الآمر كما لو أمر السّيد مولاه أن يضرب عدوّا له وعلم منه أن غرضه منه ليس إلَّا حصول التشفي منه وكذا لو علم أن غرض الآمر السيّد ليس إلَّا امتثال العبد أوامره على وجه يحصل به توقيره وغير ذلك من الفوائد العامة الراجعة إلى الآمر وإمّا أن يكون صفة راجعة إلى نفس المأمور كما لو علم أن غرض الآمر بالحجامة ليس إلا تنقية مزاجه وتصفية دمه وإذا عرفت ذلك فلا إشكال ولا شبهة في وجوب تحصيل الغرض إذا كان من قبيل القسم الأول بحيث لو شكّ في توقف حصوله على ضميمة شيء بالمأمور به وجب عليه تلك الضميمة تحصيلا لذلك الغرض إذ هو المأمور به في الحقيقة دون ما هو متعلَّق الأمر في ظاهر الخطاب الَّذي لم يتعلَّق الأمر به إلا لكونه محصّلا لذلك العنوان فالشكّ في حصول حقيقته شكّ في الامتثال مع العلم بالمكلَّف به ضرورة توقفه على مراعاة المشكوك حسبما فرضنا والحاصل أن المأمور به في هذا القسم في الواقع ونفس الأمر هو عنوان ذلك الغرض وإن كان ظاهر الأمر متوجها إلى شيء آخر محصّل له وحينئذ قصد الإطاعة متوقف على مراعاته البتة والشكّ في حصوله الناشئ من الشكّ في مدخلية شيء فيما تعلَّق به الأمر شكّ في سقوط التكليف بعد إحرازه ومن ثم قلنا في بحث الصّحيح والأعمّ بلزوم الاحتياط في الشك في أجزاء الصّلاة وشرائطها على كون الغرض منها فعلا معلوم العنوان كما هو أحد محتملات القول الصّحيحي فتأمل وبالجملة لا شكّ ولا شبهة في تحصيل الغرض والغاية إن كان من قبيل الأفعال كما لا إشكال ظاهرا في وجوب تحصيله أيضا إن كان من قبيل الثاني أي صفة راجعة إلى نفس الآمر لأن العقل مستقل بوجوب مراعاة ما يرجع إلى المولى سواء كان نفس المأمور به أو شيئا آخر حاصلا منه فحينئذ يتوقف سقوط التكليف على مراعاة المشكوك لعدم القطع بالامتثال بدونها فلو امتثل العبد أو أمر سيّده على وجه غير محصّل لما هو غرضه من التوقير الراجع إليه مثلا لم يمتثل حق الامتثال بل عدّ عاصيا وذمه العقلاء وأمّا الثّالث أعني ما لو كان الغرض من الفوائد الراجعة إلى نفس المأمور دون الآمر فالظَّاهر إمكان القول بعدم وجوب تحصيل مثل هذا الغرض بمعنى عدم توقف سقوط التكليف على مراعاته نظرا إلى صدق الإطاعة مع عدم ذلك إذ المفروض عدم دخول هذا الشيء في المأمور به لا شرطا ولا شطرا ولا غرضا وعدم رجوع فائدته إلى الآمر أيضا فيمكن منع استقلال العقل بوجوب تحصيل مثل هذا الغرض بخلاف سابقه فلو اقتصر في الامتثال على إتيان ما يقتضي ظاهرا لأمر من غير مراعاة حصول ذلك الغرض عدّ ممتثلا غير متوجّه عليه الذّم من العقلاء مطلقا حتى مع العلم بعدم حصول ذلك الغرض فضلا عمّا لو شكّ فيه وإذا اتضح لك ذلك فمن الواضح أن التعبد المجعول غاية وغرضا في الآية ليس من قبيل القسم الثّاني بأن يكون فائدة ذلك راجعة إلى اللَّه جلّ شأنه لأن أغراضه تعالى من التكاليف الشرعية راجعة إلى العباد باتفاق المتكلَّمين وحينئذ فالأمر دائر بين أن يكون التعبّد فعلا من الأفعال كالتبريد أو صفة راجعة إلى العبد كالزلفي والفوز بالمراتب العليّة والسّعادات الأخروية فإن كان من قبيل الأوّل كما يقتضي تفسيره بإتيان المأمور به لداعي الأمر كان دلالة الآية على المدّعى بعد تسليم كونه غاية مسلَّمة غير موجّه عليه ما ذكره شيخنا العلَّامة قدّس سره وإلَّا كان الأمر كما ذكره من عدم دلالتها على المدّعى فافهم واغتنم رابعها أنّ مفاد