فهّمه التفتازاني ولو كان المراد مطلق المأمورات كما يقتضيه سياق الكلام إذ البحث في مدلول الأمر كما في أوامر الشارع كان الاستدلال بظاهره بمكان عن السّقوط لأن تخصيص السّيد فعل العبد بحال حدوثه لا يقضي بوجوب ذلك الفعل وإنما يكون كذلك على زعم الأشعري لو كانت الإرادة إرادة الشّارع لفعل العبد بناء على استحالة تخلف جميع أنحاء إرادة الشارع عن المراد والعجب أن الفاضل الباغنوي مع تفسيره له أوّلا بمرادات الشّارع ذكر في الحاشية ما حاصله أنّه غير لازم بل لو كان المراد مطلق المأمورات كما يقتضيه مساق الكلام لتم الاستدلال أيضا وقال في توجيهه ما حاصله أنّ الإرادة مطلقا لا تنفكّ عن المراد بل تليه في الخارج نظرا إلى ما يقتضيه مفهوم الإرادة أعني تخصيص الفعل بحال حدوثه من غير فرق بين إرادة الشّارع وغيره وغاية الأمر أن إرادة الشارع توجب الفعل وإرادة غيره لا توجبه بل تليه في الخارج قلت وأنت خبير بأن هذا الكلام بظاهره لا يليق بالذّكر فضلا عن التدوين لكونه مبنيا على الخلط بين إرادة فعل النّفس وإرادة فعل الغير لوضوح عدم صحّة ما ذكره إلَّا في الأول مع أنّ الكلام في الثاني لأنّ الإرادة المعتبرة في مدلول الأمر إنّما تتعلَّق بفعل غير الآمر كما لا يخفى وكيف كان فقد أورد عليه التفتازاني بأنّه لا يتم على أصل المعتزلة من عدم إيجاب إرادة اللَّه تعالى لما تتعلَّق به من أفعال العباد وهذا الإيراد في غاية الوضوح على الاستدلال المذكور وربّما يدلّ عليه جملة من أخبارنا أيضا حيث دلَّت على أنّ للَّه تعالى إرادتين إرادة حتم وهي التي تتعلَّق بالتكوين وإرادة عزم وهي الَّتي تتعلَّق بأفعال العباد والحاصل أن إيجاب إرادة اللَّه لما تتعلَّق به من أفعال العباد وصيرورته بسببها خارجا عن الاختيار ومقدّمة غير مسلمة للمعتزلة والإمامية والاستدلال لا يتمّ إلَّا بها ولكن الفاضل المحشي زعم أن هذه المقدّمة أيضا مستدركة ردّا على التفتازاني ولم يتعلَّق في ذلك إلا بما نقلنا عنه في الحاشية ومن البيّن أنّه لا مساس له بالمقام لأنّ تفسير مفهوم الإرادة بما ذكر أيّ ربط له بردّ التفتازاني واللَّه هو الموفّق للصّواب بديعة اختلفوا بعد ما فرغوا من بيان مدلول مادّة الأمر في أنّ له صيغة تخصّه أم لا وظاهر الحاجبي والعضدي اختصاص هذا النزاع بالقائلين بالكلام النفسي وكلَّما تأمّلت في ما زعماه فلم يظهر له وجه صحيح يستند إليه لأنّ المنكرين للكلام النفسي وهم المعتزلة والإمامية أيضا مختلفون في هذه المسألة فمنهم من ذهب إلى الإثبات ومنهم من ذهب إلى النفي ولعلّ وجه التخصيص نشر البحث في ذلك عن الأشاعرة وإن تبعهم غيرهم في ذلك وكم من مسألة كذلك في مسائل الأصول كما لا يخفى على الخبير بتفاصيلها أو يقال إن الأشاعرة زعموا أنّ مدلول الأمر عند المعتزلة المنكرين للكلام النفسي القائلين بانحصار مدلوله في الإرادة ليس من سنخ الإنشاء والمختلفون في مدلول الصّيغة كلَّهم قائلون بأن مدلولها من سنخ الإنشاء فلا بدّ أن يكون المتنازعون هم الأشاعرة القائلون بالكلام النّفسي وأنّ مدلول الصّيغة غير الإرادة الَّتي ليست هي من الإنشاء فتدبّر وأظرف شيء أنّهما بعد ما خصّا النزاع بالقائلين بالكلام النّفسي أخذا في الافتراء على الشّيعة فنسبا إليهم اشتراك الأمر بين الوجوب والندب والإذن مع أنّهم منكرون للكلام النفسي وكأن إنكار الشّيعة للكلام النّفسي لم يكن في زمانهما قد بلغ في الاشتهار إلى أن قرع سمعها ثمّ إن العضدي نسب إلى إمام الحرمين وغيره من المحققين تخطئة هذه الترجمة قائلين بأنّه لا خلاف في أنّ التعبير عنه ممكن بمثل أوجبت أو حتمت أو ندبت أو سننت بل في صيغة افعل وما بمعناه وبما ذكرنا ظهر أن الصّواب ترك التخطئة لأنّ هذه الألفاظ إنما تدلّ عليه بمادّتها لا بصيغتها فالنزاع في مدلول صيغة افعل عين النزاع في أنّ مدلول الأمر هل وضع له لفظ يدلّ عليه بهيئة أم لا ومع الغضّ عن ذلك وتسليم أن المراد بالصّيغة هو اللَّفظ مطلقا نقول إنّ ما ذكروه إنّما يتجه إذا كان ضمير له راجعا إلى مفهوم معنى الأمر حتى يكون المراد بهذا التعبير السّؤال عن وجود لفظ آخر مرادف للفظ الأمر في الدّلالة على ذلك المفهوم فلو أريد المصداق أعني الطَّلب الخارجي كما هو الظَّاهر بل المعلوم لعدم فائدة في النزاع على الوجه المذكور وبعده عن طريقتهم في الأصول لعدم وجود نظير له في جميع المسائل الأصولية فالألفاظ المشار إليها غير دالَّة عليه كما لا يخفى هذا كلَّه لو كان الفرض من تلك العبارة استكشاف تمام مدلول الصّيغة فلو كان المقصود منها الاستكشاف على بعض الوجوه سقط البحث كلَّية ولعلّ الظَّاهر هو الأخير كما يظهر من ملاحظة النهاية حيث إنّه قدس سره بعد ما فرغ من بيان معنى لفظ الأمر بحث بحثين آخرين أحدهما أن لفظ الأمر هل له صيغة مختصّة أم لا واختار فيه الاختصاص واستدلّ عليه بأنّ المتبادر من الصّيغة ليس هو الحظر أو الإباحة واقتصر عليه ولم يتعرّض لبيان تمام مدلولها وأنّه الوجوب أو النّدب أو الأعم وثانيهما أنّ صيغة افعل هل تدلّ على الوجوب أو النّدب أو الأعمّ وحينئذ فالقول بأنّ التّرجمة المذكورة خطاء وأنّ الصّواب نقل الكلام في مدلول صيغة افعل جدير بالإعراض عنه لأنّ الغرض من تلك الترجمة إذا لم يكن هو السّؤال عن معنى الصّيغة بل عن مساوقتها للفظ الأمر في الدّلالة على الرّجحان إمّا مع المنع من النقيض أو بدونه على اختلاف القولين كان العدول عنها إلى أنّ صيغة افعل هل تدلّ على الوجوب أم لا خطأ وإن كان المقصود أيضا حاصلا في ضمنه لأنّ الأصل في الكلام أن يكون قالبا لعين المقصود ولا يكفي مجرّد كونه وافيا به والحاصل أنّ في مدلول الصّيغة نزاعين أحدهما أنّها تدلّ على رجحان الفعل أم لا ولازمه أنّ الصّيغة حينئذ