العلم به وأمّا القول بأنّ الاستحالة الفرضية غير مجدية ففيه أنّ الفرض الَّذي علَّق عليه المحال موجود محقق في المقام وهو علمه تعالى بالكفر وليس من الفروض الغير المتحققة لأنّ المستدل يدعي استحالة الطَّاعة على فرض تعلَّق العلم بعدمها وهذا الفرض محقّق فلا يأتي فيه ما ذكره قلت الظَّاهر أنّ ما ذكره قدس سره غير وارد لأنّ امتناع الطَّاعة بعد منع تأثير العلم فيها يبقى بلا دليل ضرورة أنّ معلوم الواجب واجب حسبما تعلَّق العلم به من حيث الإمكان أو الامتناع والمجيب له أن يدّعي تعلَّق العلم بالكفر مع إمكان الطَّاعة وحينئذ أمكن قلب الاستدلال بأن يقال إنّ الطَّاعة ممكنة للكفار لعلمه تعالى بإمكانها لأنّ هذا العلم لا ينافي علمه تعالى بعدم وقوعها والإمكان أعمّ من الوقوع واللَّا وقوع فلا بدّ للمستدلّ بهذا الدّليل دعوى تأثير العلم ومعها ينطبق الجواب كما لا يخفى ولهذا اتفق الكلّ على هذا الردّ حيث تعلَّقوا بعدم تأثير العلم في المعلوم نعم ظاهر عبارة العضدي الاعتراف بتأثير العلم حيث أجاب عن هذا الدّليل في مسألة التكليف بالمحال بأنّ الامتناع الناشئ من العلم امتناع غرض خارج عن محلّ الكلام وتوضيح المقام أنّه لا إشكال في أنّ علم الواجب واجب يستحيل دائما خلافه لكونه عين الذّات فإذا تعلَّق بشيء فإن كان مؤثرا فيه دلّ ذلك على وجوب ذلك الشّيء المعلوم فيستدلّ من وجوب العلم ذاتا على وجوب المعلوم واستحالة خلافه ولو بالعرض وأمّا إذا لم يكن مؤثّرا بل كان تابعا له ومتعلَّقا به على وجهه من الإمكان والوجوب فغاية ما يلزم من استحالة انقلاب علمه جهلا القطع بعدم تخلَّفه عن المعلوم فيقطع مثلا فيما نحن فيه بعدم صدور الإيمان من الكافر ومن الواضح أن القطع بالشيء وجودا وعدما لا ينافي إمكانه فالقول بأن تجويز خلاف المعلوم تجويز لانقلاب العلم جهلا مغالطة وسفسطة لأنّه إن أريد بتجويز خلاف المعلوم احتمال تحققه ووجوده فهو غير لازم من القول بالإمكان لأنّ الجزم بعدم شيء لا ينافي إمكان وجوده وإن أريد به مجرّد الإمكان العقلي الَّذي يجامع القطع بوجود المعلوم فالتجويز بهذا المعنى ليس ملزوما لمحال إذ لا يتفرّع عليه انقلاب علم اللَّه تعالى جهلا ولا إمكان الانقلاب وإنّما يلزم ذلك على تقدير كون المعلوم معلولا للعلم فيستدلّ من حال المعلول على حال العلَّة خلافاً وليس كذلك فما ذكره العلَّامة رحمه الله وغيره من الإمامية في الجواب من نفي تأثير العلم في المعلوم ينهض جوابا عن الدّليل كما قرّرنا وأمّا حديث وقوع الفرض المعلَّق عليه فلعلَّه أيضا ساقط لأنّ المراد أن الإيمان والطَّاعة إنّما يستحيلان في حقه بشرط العلم بالكفر لا حين العلم به وكلّ شيء يستحيل بشرط وجود نقيضه والعلم بالنقيض حكمه حكم النقيض فليس المراد استحالة الإيمان على تقدير وجود الكفر أو العلم به مطلقا بل المراد الفرق في المقام بين المشروطة وما دام فافهم والثالث ما ذكره المحقق المذكور بعد كلامه المزبور بقوله فالأولى في الجواب عنه منع المقدّمة الثانية وهي استحالة تعلَّق الإرادة بالمحال على سبيل الكلَّية إذ لا مانع من تعلَّق الإرادة التكليفية بالمستحيل بالاختيار لا ينافي كونه اختياريّا ثم أخذ في المناقشة فيه بأنّ المانع من تعلَّق الإرادة هو عدم إمكان وقوعه ولو بتوسّط الأسباب الباعثة عليه وذلك لا يفرق فيه بين كونه مستحيلا بالاختيار أو الاضطرار ثمّ قال وفيه تأمّل قلت ولعلّ وجه التأمّل أنّ إرادة الفعل قد تكون لأجل تحصيل الفعل الَّذي تعلَّقت به الإرادة وقد تكون لأغراض أخر كالامتحان وتسجيل العصيان وإتمام الحجّة والبرهان والَّذي لا يفرق فيه بين كون الفعل المراد مستحيلا بالاختيار أو بالاضطرار إنّما هو الأول دون الثاني والتكاليف المتعلَّقة على الكفار من قبيل الثاني دون الأول ويمكن الجواب من ذلك بأن تكاليف العباد كلَّهم على نسق واحد فليس الغرض من التكليف على المسلم غير الغرض الباعث على تكليف الكفار فكلّ ما هو مقصود من تكليف المؤمن فهو مقصود من تكليف الكافر أيضا ومن الواضح أن الغرض من تكليف المؤمن هي الطَّاعة دون التسجيل وتمهيد العذر ثمّ إنّ الفرق بين ما ذكره هذا المحقق وبين جواب العلَّامة رحمه الله الَّذي تلقاه من أفضل المحققين نصير الدّين الطَّوسي رحمه الله وتلقاه بالقبول غيره من المحققين غير ظاهر ولك أن تجيب بأن الإرادة إن فسّرت بمقولة الكيف وهو العلم بالمصلحة فلا مانع من تعلَّقها بالمستحيل بغير الاختيار أيضا فضلا عن المستحيل بالاختيار وإن فسّرت بغيرها فالدّليل ينقلب على الأشعري لأن الإرادة والاقتضاء والطَّلب كلَّها بمثابة واحدة لا نتعقّل الفرق بينها في جواز التعلَّق بالممتنع واستحالته وأجيب عن الثاني بأنّ الفعل بعد وجوده غير مقدور بالضّرورة لكونه ضروريّا فيخرج عن كونه اختياريا فلو لم يكن قبل وجوده مقدورا اختياريّا انسدّ باب التكاليف وهو باطل بالإجماع وهذا هو محصّل كلام العضدي والأولى إحالة الجواب فيه على الوجدان دون البرهان وعن الثالث بأن الفعل مستند إلى الدّاعي والداعي غير مخلوق له تعالى حتى يستلزم الإرادة خلقه إرادة لازمة أعني الكفر كذا قال في النهاية وأورد عليه بأن نفس العبد أيضا مخلوق له تعالى وهو يكفي في المقصود لعدم الفرق بين السّبب البعيد والقريب في المقام فالكفر مراد له تعالى بإرادة تبعية متعلَّقه بسببه القريب أو البعيد وهو لا يجامع إرادة الطَّاعة لأنّ إرادة الضّدين مستحيلة أو قبيحة بالضّرورة ثمّ أجاب المورد بما حاصله أن الإرادة المتعلَّقة بالكفر إرادة تكوينية لكونها من توابع إرادة تكوين نفس الكافر وخلقه وإرادة الطاعة منه إرادة تكليفية ولا مضادّة بينهما ثمّ أمر بالتّأمل ولو لا أمره بالتأمّل لأوردنا عليه بعض ما لا يخفى من أنّ الإرادتين من سنخ واحد ولا مغايرة