إلى الفرد الكامل كما اعترف به هو الوجوب وهو يكفي في دعوى ظهور التعاريف في اعتبار الإلزام إذ من الواضح أن ظواهر الألفاظ معتبرة ولو من جهة الانصراف الناشئ عن أحد أسبابه فما حقّق به المقام لعلَّه على خلاف مطلوبه أدلّ كما لا يخفى على المتأمّل إلَّا أن يفرق بين التّحديد وغيره بناء على ما هو المعروف من ابتناء الحدود على الدّلالة الصّريحة فتأمّل ويرد على الثّاني بعد المساعدة على دعوى التعميم مع أنّ للمنع فيه مجال واسع لظهور أن ما في نفس الملتمس والدّاعي من الطلب مقرون بعدم الرّضى بالترك وهو المراد بالإيجاب في المقام أنّ اللَّغة لا تثبت بالقياس ويرد على الثّالث أنّ أسباب الانصراف المستقر منحصرة في الشّهرة وغلبة الاستعمال أو تأكَّد العلاقة والمناسبة كما بيّناه في المبادي عند البحث عن أسباب ترجيح المجازات بعضها على بعض وليس شيء من الأمور المذكورة موجودا في المقام وأمّا الكمال فالانصراف الناشئ منه لو سلَّم فظهور بدوي ينعدم في ثاني النّظر ومن البيّن أنّ ظهور لفظ الأمر في الطَّلب الحتمي ليس على هذا الوجه مع أنّ كون التأكَّد من باب الكمال الموجب للانصراف محلّ نظر ولذا لا يتبادر منه المرتبة القصوى من الوجوب وقياس أصل الوجوب بالوجوب العيني النفسي قياس مع الفارق لأنّ النفسيّة وكذا التعيّن من مقتضيات إطلاق اللَّفظ وتجرّده عمّا يدلّ على التقييد فإنّ في كلّ من الطَّلب الغيري والتخييري تقييدا وتعليقا فالطَّلب الغيري طلب على بعض التقادير أعني تقدير وجود الطَّلب النفسي والطَّلب التخييري معلَّق على عدم وجود قيام البدل مقام المطلوب وأمّا الحتم فهو تقييد لجنس الطَّلب لعدم الرضى بالترك لكونه بمنزلة الفصل المقسّم له إلى الوجوب والاستحباب فلو لم يكن الإطلاق قاضيا بعدم الوجوب لم يكن قاضيا بالوجوب بالضّرورة وما أبعد بينه وبين الوجوب مع أنّ الجمع بين قياس أصل الوجوب بالوجوب العيني وبين استناد تبادره إلى كونه أكمل الأفراد تهافتا واضحا لأنّ الظَّهور الناشئ من الإطلاق على ما حقّقوه في محلَّه ليس ظهورا لفظيّا انصرافيّا وإن كان يجري فيه ما يجري في الظَّهور اللَّفظي عند المقابلة بشيء من الأصول بل هو ظهور مستند إلى قاعدة الحكمة بعد إعمال أصالة عدم المقيد والتبادر الموجود في مواضع الانصراف يفيد فائدة الوضع وأين هو من الإطلاق المبني على قاعدة الحكمة ولعمري إنّ الخلط والاشتباه بين المقامين لم يكن متوقعا من مثله لأنّه بمكان من متانة النظر وإنّما لا يميز بين الإطلاق والانصراف من لا يضب له من التحقيق ويرد على الرّابع وهو الجواب عن الآيات والرّواية أن مبنى الاستدلال بها على استعمال الأمر في الطَّلب الحتمي مجرّدا عن القرينة وما حقّق به المقام من استناد الظَّهور إلى الانصراف أو الإطلاق لا يصلح جوابا عن ذلك كما لا يخفى وهذا أيضا من الزلَّات النّاشئة عن طغيان القلم واللَّه الهادي الأمر الثالث هو أنّ الطَّلب المأخوذ في مفهوم لفظ الأمر هل يستلزم الإرادة أم لا وهذا النزاع محرّر على وجهين أحدهما أنّ الطَّلب هل هو عين الإرادة أو غيرها والثّاني أنّ الطلب هل يستلزم الإرادة أم لا ولعلّ النزاع الثّاني متفرع على القول بمغايرة الطَّلب للإرادة فلنتكلَّم أولا في ذلك وفي بيان محلّ النّزاع فنقول إنّ هذه المسألة من جزئيات البحث في الكلام النّفسي وتوضيح القول فيه هو أنّ الأشاعرة زعموا أنّ الكلام مشترك بين الألفاظ الخبرية والإنشائية وبين ما يدلّ عليها تلك الألفاظ فقالوا إنّ الكلام لفظي ونفسيّ واللَّفظي هي الألفاظ الصّادرة من المتكلَّم في مقام الإخبار عن شيء أو إنشاء شيء والنفسي هي النّسب الخبريّة أو الإنشائية القائمة بالنفس الَّتي يكشف عنها الألفاظ بحسب الأوضاع اللَّغويّة وفسّروا تلك النّسبة في الخبر بأمر وراء علم المتكلَّم بمضمون القضية اللَّفظية وهو على ما نقل عن العضدي إمّا في الموافق أو في شرح المختصر ولعلّ الظَّاهر هو الأوّل عبارة عن النّسبة الموجودة بين المفردين وفي الإنشاء بأمر وراء الإرادة وسمّوه بالطَّلب واقتضاء الفعل فالطلب عندهم مغاير للإرادة المدلول عليها بلفظ الأمر أو بصيغته والمعتزلة قد أنكروا ما زعموه في المقامين فقالوا إنّه ليس الكلام إلَّا الألفاظ الصّادرة من المتكلَّم وليس ما وراء ذلك شيء سواء علم المتكلَّم بمضمون القضية في الإخبار وإرادته للفعل في الإنشاء وشيء من هذين الأمرين أعني العلم والإرادة ليس من الكلام في شيء بالاتفاق فالكلام منحصر في اللَّفظي فالأمر عند المعتزلة عبارة عن الإرادة المقرونة بالكاشف القولي وعند الأشاعرة عبارة عن إنشاء الاقتضاء المقرون بذلك القول وهو غير الإرادة عندهم ويسمّونه بالطَّلب ومن ذلك يظهر أنّ المعتزلة لا بد لهم من تفسير الأمر بغير الطَّلب كما صرّح به الحاجبي والعضدي لأن الطلب ليس كلاما لفظيا بالضّرورة والأمر قسم من أقسام الكلام فلو فسّر الأمر بالطَّلب المقرون بالقول فإن أريد به معنى مغايرا للإرادة كان منطبقا على مذهب الأشاعرة وإن أريد به الإرادة كما في التهذيب انطبق على مذهب المعتزلة وممّا ذكرنا ظهر أنّ ما أورده السيّد قدّس سره في المحصول على العضدي والحاجبي من أنّ إنكار المعتزلة للكلام النفسي لا يقتضي عدم جواز تعريفهم للأمر بالطَّلب غير وارد وكيف والطَّلب إذا جعل قسيما للإرادة كما في المختصر وشرحه ليس إلَّا الكلام النّفسي فكيف يسوغ لمنكر رأسا تعريف الأمر الَّذي هو من أقسام الكلام به فظهر أنّ النزاع بين الأشاعرة ومنكري الكلام النفسي وهم المعتزلة والعدلية إنّما هو في تعقّل شيء زائد على الإرادة في مفهوم الأمر أو مصداقه وهذا يظهر بأدنى مراجعة إلى الكتب الكلامية وإلى